ضيق الصدر والتصعد في السماء

الجمعة، 28 مارس 2014 | 0 التعليقات

د. عبدالجواد الصاوي


يقول الله تعالى: (فَمَن يُرِدِ اللَّهُ أَن يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلإِسْلامِ وَمَن يُرِدْ أَن يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقًا حَرَجًا كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِى السَّمَآءِ كَذَلِكَ يَجْعَلُ اللَّهُ الرِّجْسَ عَلَى الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ) الأنعام ـ 125.
تبين هذه الآية الكريمة أن من أراد الله هدايته شرح صدره للإسلام فاطمأن به قلبه واستنارت له نفسه، وأن من أراد به الضلال - وِفق مشيئته - ضاق صدره عن قبول الإيمان وانغلق انغلاقا تامًّا حتى لا يجد الخير حينئذ مسلكًا إلى قلبه، وقد شبَّه المولى - سبحانه - ضيق صدر هذا البائس بضيق صدر الذي يتصاعد في السماء بتناقص قدرته على التنفس الطبيعي درجة بعد درجة، وذلك لانخفاض الضغط الجزيئي للأكسجين في طبقات الجو العليا حتى يصل الضيق إلى أشد مراحله وهو مرحلة الحرج والتي لا يستطيع بعدها الأكسجين أن ينفذ إلى دمه، وهو تشبيه بليغ شبهت فيه الحالة المعنوية بحالة حسية، أُدرِكَت حقائقها وشوهدت كيفياتها اليقينية في هذا الزمان ولم تكن معلومة للبشر وقت التنزيل.
الشرح اللغوي والتفسيري
الشرح: الكشف، وشرح الشيء يشرحه شرحًا: فتحه وبينه وكشفه، وشرح الله صدره لقبول الخير يشرحه شرحًا فانشرح: وسعه لقبول الحق فاتسع. ( لسان العرب 2/ 497)، والشرح كناية عن قبول النفس للحق والهدى، وبين لفظ الشرح والضيق طباق وهو من المحسنات البديعية. الحرج: قُرئ: حَـرَِجًا بفتح الراء وكسرها، قال ابن الأثير: الحرج في الأصل الضيق، وقيل: الحرج أضيق الضيق، ورجل حَرِج وحَرَج: ضيِّق الصدر وحَرِج صدره  يحرج حرجًا: ضاق فلم ينشرح لخير، وقال الزجّاج: الحرج في اللغة أضيق الضيق، ومعناه أنه ضيق جدًّا، ومكان حرَج وحرِج: أي مكان ضيق كثير الشجر. (لسان العرب 2/234)، قال ابن قتيبة: الحرج الذي ضاق فلم يجد منفذًا (صفوة التفاسير 412).
صعد: صَعِد المكان وفيه صعودًا وأصعد وصعد: ارتقى شرفًا، والصُّعود ضد الهبوط، والصَّعود: العقبة الكؤود أو الشَّاقَّة، وتصعَّدني الأمر وتصاعدني: شقّ عليّ، وتصعَّد النَّفَس: صعُب مخرجُه وهو الصُّعَداء، وقيل: الصعداء: النفس إلى فوق ممدود، وقيل: هو النفس بتوجُّع، وهو يتنفس الصعداء ويتنفس صُعَدا، والصعداء هي المشقة أيضًا.
ويقال: لأرهقنَّك صَعودًا أي لأجشمنَّك مشقَّةً من الأمر، وإنما استقوا ذلك لأن الارتفاع في صعود أشق من الانحدار في هبوط. (لسان العرب 3/251 ـ 256).
والصعود معناه: الذهاب في مكانٍ عالٍ، تقول: صعد في السلم صعودا (بصائر ذوي التمييز 3/413).
والسماء لغة: هي كل ما يعلو غيره، وتأتي على معان متعددة منها: سقف البيت، السحاب، المطر، الجرم بعينه، الجهة، أما هنا فهي بمعنى الفضاء الواسع، وهذا  كله مأخوذ من معنى السمو أي الارتفاع (المشاهد في القرآن الكريم/20).
يقول الإمام الطبري (8/26): فمن يرد الله أن يهديه للإيمان به وبرسوله وما جاء به من عند ربه يشرح صدره للإسلام حتى يستنير الإسلام في قلبه فيضيء له ويتسع له صدره بالقبول، أي فسَّح صدره لذلك وهوَّنه عليه وسهَّله له بلطفه ومعونته، ويقول القرطبي (7/81 ): وأصل الشرح التوسعة وشرحت الأمر بينته وأوضحته ويشرح صدره للإسلام أي يوسعه له ويوفقه.
ويقول البيضاوي (2/450): وهذا كناية عن جعل النفس قابلة للحق مهيأة لحلوله فيها مصفَّاة عما يمنعه وينافيه، وإليه أشار النبي- صلى الله عليه وسلم - حين سئل عنه فقال: (نور يقذفه الله ـ سبحانه وتعالى ـ في قلب المؤمن فينشرح له وينفسح)، فقالوا: هل لذلك من أمارة يعرف بها؟ فقال: (نعم؛ الإنابة إلى دار الخلود، والتجافي عن دار الغرور، والاستعداد للموت قبل نزوله).
وقال صاحب روح البيان (3/100): (فَمَن يُرِدِ اللَّهُ أَن يَهْدِيَهُ)؛ أي يعرِّفه طريق الحق ويوفقه للإيمان ويشرح صدره للإسلام فيتسع له وينفسح، فالمعنى من أراد  الله منه الإيمان قوَّى صوارفه عن الكفر ودواعيه للإيمان وجعل قلبه قابلاً لحلول الإيمان لتحليه به صافيًا خاليًا عما ينافيه ويمنعه، ومن يرد أن يضله، أي يخلق فيه  الضلال لصرف اختياره إليه: (يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقًا حَرَجًا) بحيث ينبو عن قبول الحق فلا يدخله الإيمان، أي من أراد الله منه الكفر قوى صوارفه عن الإيمان وقوى دواعيه إلى الكفر.
قال صاحب الظلال (3/1203): ومن يقدِّر له الضلال وِفق سُنته الجارية من إضلال من يرغب عن الهدى ويغلق فطرته عنه، فهو مغلق مطموس يجد العسروالمشقة في قبوله.
(وَمَن يُرِدْ أَن يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقًا حَرَجًا): قال الطبري (8/28): والحرج أشد الضيق وهو الذي لا ينفذ من شدة ضيقه وهو هاهنا الصدر الذي لا تصل إليه الموعظة ولا يدخله نور الإيمان لِرَيْنِ الشرك عليه، وأصله من الحرج والحرج جمع حرجة وهي الشجرة الملتف بها الأشجار لا يدخل بينها وبينها شيء لشدة  التفافها بها، قال عمر: (كذلك قلب المنافق لا يصل إليه شيء من الخير)، والحرج بفتح الراء وكسرها بمعنى واحد وهما لغتان مشهورتان. أما القرطبي فقد جعل لكل قراءة معنى فقال: حرِجًا بالكسر معناه الضيق كرر المعنى وحسن ذلك لاختلاف اللفظ، أما حرَجًا بالفتح جمع حرجة وهو شدة الضيق قال ابن عباس: الحرج موضع الشجر الملتف فكان قلب الكافر لا تصل إليه الحكمة كما لا تصل الراعية إلى الموضع الذي التف شجره، فكأنه ضيق بعد ضيق وأعيد تكراره لاختلاف اللفظين أو تأكيدًا للأول (الحجة في القراءات السبع ج1/149)، ويوافق النسـفيُّ القرطبيَّ فيقول: يجعل صدره ضيقًا ضيقا (مكي) وحرجًا صفة لضيقًا (مدني) أي بالغا في الضيق (1/344)، أما أبو السعود فيقول: حرِجًا بكسر الراء أي شديد الضيق والأول مصدر وصف به مبالغة (3/183)، قال ابن كثير: الصدر الضيق الحرج: هو الذي لا يتسع لشيء من الهدى ولا يخلص إليه شيء ما ينفعه من الإيمان ولا ينفذ فيه، وقال عطاء الخراساني: ضيقًا حرجًا أي ليس للخير فيه منفذ (2/176)، والحرج مصدر وصف به مبالغة وبالكسر اسم الفاعل وهو المتزايد في الضيق فهو أخص من الأول فكل حرج ضيق من غير عكس (روح البيان  3/101).
وفي قوله تعالى: (كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِى السَّمَآءِ) قال الطبري (8/31) نقلاً عن السُّدِّي: كأنما يصعد في السماء من ضيق صدره ثم ذكر عدة قراءات في يصّعّد أولها:
كأنما يصّعد من صعد يصعد (بعض المكيين)، ثانيها: يصّاعد بمعنى يتصاعد فأدغم التاء في الصاد وجعلها صادًا مشددة (بعض الكوفيين)، ثالثها: يصعد بمعنى يتصعد فأدغموا التاء في الصاد فلذلك شددوا الصاد (عامة قراء أهل المدينة والعراق)، ثم قال: وكل هذه القراءات متقاربات المعاني، وقد اختار القراءة الأخيرة لكثرة القراء بها، ولقول عمر ـ رضي الله عنه: (ما تصعدني شيء ما تصعدتني خطبة النكاح). ويوضح القرطبي (7/82) الفروق بين معاني هذه القراءات فيقول:  يصعد من الصعود وهو الطلوع، ويتصاعد: فيه معنى شيء بعد شيء، وذلك أثقل على فاعله ويتصعد: يتكلف ما لا يطيق شيئًا بعد شيء كقولك يتجرع ويتفوق، وجملة (كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِى السَّمَآءِ) كما يقول الألوسي (8/22): إما استئنافًا أو حالاً من ضمير الوصف أو وصفًا آخر، وقد علل التشبيه بأنه للمبالغة في ضيق الصدر حيث شبه ضيق صدر الكافر بمن يزاول ما لا يقدر عليه فإن صعود السماء مثل فيما هو خارج عن دائرة الاستطاعة (البيضاوي 2/451)، وكثير من المفسرين  يحملون التشبيه على هذا المعنى؛ فيقول القرطبي (7/82): شبه الله الكافر في نفوره من الإيمان وثقله عليه بمنزلة من تكلف ما لا يطيقه كما أن صعود السماء لا يطاق. ويقول الطبري (8/30): وهذا مثل من الله ـ تعالى ـ ضربه لقلب هذا الكافر في شدة تضييقه إياه عن وصوله إليه مثل امتناعه من الصعود إلى السماء
وعجزه عنه لأن ذلك ليس في وسعه مثله كمثل الذي لا يستطيع أن يصعد إلى السماء، ويقول الألوسي (8/23): وفيه تنبيه على أن الإيمان يمتنع منه كما يمتنع منه الصعود، وما في (كَأَنَّمَا) هي المهيِّئة لدخول كأن على الجمل الفعلية. وقال صاحب روح البيان (3/10) (كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِى السَّمَآءِ) في كيفية هذا التشبيه وجهان:
الأول: أن الإنسان إذا كلف الصعود إلى السماء ثقل ذلك التكليف عليه، وعظم وقعه عليه، وقويت نفرته منه؛ فذلك الكافر يثقل عليه الإيمان وتعظم نفرته منه، والثاني: أن قلبه يتباعد عن الإسلام ويتباعد عن قبول الإيمان فشبه ذلك البعد ببعد من يصعد من الأرض إلى السماء، قال صاحب الظلال (3/1203): (كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِى السَّمَآءِ): وهي حالة نفسية تجسم في حالة حسية من ضيق النفس وكربة الصدر والرهق المضني في التصعد إلى السماء، وبناء اللفظ ذاته (يَصَّعَّدُ) ـ كما هو في قراءة حفص ـ فيه هذا العسر والقبض والجهد، وجرسه يخيل هذا كله فيتناسق المشهد الشاخص مع الحالة الواقعة مع التعبير اللفظي في إيقاع واحد، وقوله:
(كَذَلِكَ يَجْعَلُ اللَّهُ الرِّجْسَ عَلَى الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ) أي مثل ذلك الجعل الذي هو جعل الصدر ضيقًا حرجًا (يَجْعَلُ اللَّهُ الرِّجْسَ عَلَى الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ) (فتح القدير 2/161)، والرجس هو العذاب أو الخذلان، وعن مجاهد: أنه ما لا خير فيه، وقال الزجّاج: هو اللعنة في الدنيا والآخرة، وأصله من الارتجاس وهو الاضطراب (روح المعاني 8/23).
الشاهد العلمي:
معظم الطاقة التي تحتاجها خلايا الجسم تحصل عليها من خلال تفاعلات كيميائية بأكسدة الكربوهيدرات والدهون وهذه لا تحدث إلا في وجود الأكسجين (O2) وتكون النفاية الرئيسة في هذه التفاعلات هي ثاني أكسيد الكربون (Co2)، ويقوم الجهاز التنفسي بإمداد الجسم بهذا الأكسجين من الهواء المحيط به كما يقوم بإخراج وطرد ثاني أكسيد الكربون خارج الجسم، وتعتبر الدماء في الجهاز الدوري هي جهاز النقل لهذه الغازات بين الرئتين وبين خلايا الجسم، ولذلك يقسم العلماء عملية التنفس إلى قسمين: التنفس الخارجي وهو تبادل الغازات بين الدم والرئتين،شكل رقم(3) والتنفس الداخلي وهو تبادل الغازات بين الدم وخلايا الجسم.
محتويات القفص الصدري:
يحتوي القفص الصدري على أعضاء جهاز التنفس وأعضاء الجهاز الدوري ممثلة في القلب والأوعية الدموية الرئوية وشبكة الشعيرات الدموية، وبعض الأوعية اللمفاوية والمريء وبعض الأعصاب شكل رقم(2).
ويتكون الجهاز التنفسي  في القفص الصدري  من الرئتين والقصبة الهوائية التي تتفرع إلى قصبتين  تدخلان إلى الرئتين  وتتفرع كل واحدة منهما داخل الرئة إلى فروع أصغر وتنتهي هذه الممرات الهوائية إلى الحويصلات الهوائية والتي تحاط بشبكة من الشعيرات الدموية الدقيقة، وبجانب هذا النسيج الداخلي للرئتين تعتبرالأغطية الخارجية للرئتين والمكونة من طبقتين من الأغشية البلورية من أجزاء الجهاز التنفسي كما تدخل ضمن أعضاء جهاز التنفس العضلات التي تقع بين ضلوع القفص الصدري وعضلة الحجاب الحاجز الذي يفصل بين تجويفي قفص الصدر والبطن. انظر شكل (1)
تتفرع القصبات الهوائية داخل الرئتين إلى فروع عديدة تنتهي إلى فروع أصغر وأصغر، ويحيط بجدر هذه الممرات الهوائية عضلات لا إرادية تتحكم في اتساع وضيق هذه الممرات بارتخائها أو تقلصها وذلك لتنظيم حجم الهواء الداخل إلى الرئتين، ويتحكم في عمل هذه العضلات أعصاب الجهاز العصبي الودي ونظير الودي حيث يعمل الأول على ارتخاء العضلات فتتسع الممرات الهوائية ويعمل الثاني على تقلص العضلات فتضيق هذه الممرات.ممرات.ممرات.             
مراحل عملية التنفس:
وتتكون عملية التنفس من ثلاث مراحل:  مرحلة الشهيق، ومرحلة الزفير، وفترة سكون بينهما، ويحدث اتساع الصدر أثناء عملية الشهيق كنتيجة للنشاط العضلي والذي يكون بعضه إراديًّا وبعضه لا إرادي. والعضلات التي تشارك في التنفس الطبيعي الهادئ هي العضلات بين الضلوع وعضلة الحجاب الحاجز، أما أثناء التنفس العميق أو الصعب فتشارك عضلات الرقبة والكتفين والبطن. وعملية الشهيق هي العملية النشطة في دورة التنفس حيث تتقلص العضلات بين الضلوع وعضلة الحجاب الحاجز وتتمدد الرئتان ويقل الضغط في التجويف البلوري فيتسع التجويف الصدري حول الرئتين وفي الممرات والحويصلات الهوائية فيندفع الهواء إلى الداخل، أما عملية الشهيق فعملية عكسية خاملة (passive) حيث تعود العضلات إلى وضع الاسترخاء فيقل التجويف الصدري وتنكمش الرئتان فيطرد الهواء إلى الخارج، إن الهواء مكون من عدة غازات بنسب مختلفة؛ فالأكسجين يكون حوالي 21% من الهواء، وثاني أكسيد الكربون يكون نسبة ضئيلة في الهواء حوالي 04,%، أما النتروجين وبعض الغازات القليلة النادرة فتكون حوالي  78% من الهواء، وجزيئات هذه الغازات في حركة دائمة، ولكل غاز ضغط على الجدر الذي تحويه، وتشكل كل الغازات المكونة للهواء ضغطًا يعادل 760 جم/زئبق عند مستوى سطح البحر، وهو مجموع ضغط كل من الأكسجين والنيتروجين وثاني أكسيد الكربون وبقية الغازات الأخرى القليلة، وهو ما نسميه الضغط الجوي ويتعادل هذا الضغط خارج الرئتين وداخل الحويصلات الهوائية عند مستوى سطح البحر أثناء التنفس العادي، وبما أن جزيئات الغازات تتحرك بسهولة بين جدر الحويصلات الهوائية وجدر الشعيرات الدموية ـ فجميع غازات الهواء موجودة في الدم، وبما أن غاز النتروجين غاز خامل ولا يستهلك في الجسم ـ فنسبة تركيزه داخل الدم وفي الحويصلات الهوائية لا تتغير، أما الأكسجين وثاني أكسيد الكربون فنسبتهما في الدم تتغير حيث يستهلك الأول في عمليات الأكسدة داخل الخلايا فيقل تركيزه، ويزداد الثاني في الدم كنفاية ناتجة من عمليات الأكسدة فيزداد تركيزه، وبما أن الغازات تنتقل من الأعلى إلى الأدنى تركيزًا ويتناسب ضغط كل غاز مع نسبة تركيزه مع الغازات الأخرى في الهواء ـ فإن الأكسجين ينتقل عبر جدر الحويصلات الهوائية إلى الدم عبر جدر الشعيرات الدموية المحيطة بها، والعكس يحدث بالنسبة لثاني أكسيد الكربون، ويكون ضغط كل غاز في الدم عندما يغادر الرئتين إلى الأوعية الرئوية مساويًا لضغطه في هواء الحويصلات الهوائية قبل أن يتوزع على أعضاء الجسم. انظر شكل (3).

التحكم في التنفس:
هناك نوعان من التنفس الإرادي واللاإرادي، والإرادي لا يخفى على أحد أنه كالذي يحدث أثناء النشاطات المختلفة، أما التنفس اللاإرادي فقد أوجده الله – سبحانه - لحفظ الحياة ويتم التحكم فيه بواسطة خلايا عصبية في جذع الدماغ مكونة من مركز التنفس في النخاع المستطيل، والمركز التنسيقي الرئوي في منطقة الدماغ وحيث تختص الإشارات العصبية الناشئة من خلايا مركز التنفس بتنشيط الشهيق، وتختص خلايا المركز التنسيقي الرئوي بتثبيط الشهيق والذي يؤدي إلى حدوث عملية الزفير، وتصل هذه الإشارات إلى عضلة الحجاب الحاجز عبر الأعصاب الحجابية (pherenic nerves)، كما تصل إلى العضلات بين الضلوع عبر الأعصاب الداخلية للضلوع لتؤدي نتيجة واحدة وهي تقلص هذه العضلات وإحداث الشهيق، كما توجد نهايات عصبية في الرئتين تنشط بتمدد الرئتين عند الشهيق وتصل إلى  المركز التنسيقي عبر العصب الحائر فتثبطه ويحدث الزفير. وكذلك توجد في جدر بعض الشرايين الكبرى مثل الأورطي والشريان السباتي أجسام (Carotial Bodies)، مكونة من خلايا حساسة للتغيرات في الضغط الجزيئي لثاني أكسيد الكربون والأكسجين في الدم، وترسل إشارات عصبية إلى المركز التنفسي بالدماغ عبر العصب الحائر والعصب اللساني البلعومي ـ عند ازدياد الضغط  الجزيئي لثاني أكسيد الكربون أو النقص القليل للضغط الجزيئي للأكسجين في الدم، فيؤدي ذلك إلى تنبيه مركز التنفس وزيادة سرعة التهوية في الرئتين،  ولكن الانخفاض الحاد  والشديد في الضغط الجزيئي للأكسجين يؤدي إلى تأثير تثبيطي مباشر لمركز التنفس نتيجة لزيادة تهوية الرئتين ونفخ كميات كبيرة من ثاني أكسيد الكربون ومن ثم نقص ضغطه الجزيئي في الدم وزيادة الحمضية في سوائل الجسم، كما يمنع تنبيه المستقبلات الحساسة في جدر الأوردة لمركز التنفس والذي يؤدي تثبيطه إلى توقف الإشارات العصبية لعضلات التنفس المسؤولة عن اتساع القفص الصدري شكل رقم (6).

التنفس الداخلي:
يُحمَل الأكسجين من الرئتين إلى الأنسجة ذائبًا في البلازما وفي مركبات كيميائية مع الهيموجلوبين والأكسي هيموجلوبين ويحدث تبادل الغازات بين جدر الشعيرات الدموية والسائل الخلوي للأنسجة بنفس قانون التبادل الذي يحدث في الرئتين، ثم تحصل الخلايا على الأكسجين من خلال السائل الخلوي بواسطة الانتشار الخلوي، ومركب الأكسي هيموجلوبين مركب غير ثابت لا يلبث أن يتحرر منه الأكسجين ثم ينتقل إلى الخلايا عبر الانتشار الخلوي، كما ينتقل ثاني أكسيد الكربون من الخلايا كناتج عملية أكسدة الدهون والكربوهيدرات فيها إلى السائل النسيجي ومنه إلى جدر الشعيرات الدموية والتي تصب في الأوعية الدموية وينتقل في الدم إمَّا ذائبًا في بلازما الدم أو متحدًا مع الصوديوم في صورة بيكربونات الصوديوم، أو ينتقل عبر اتحاده مع الهيموجلوبين إلى أن يطرد من الدم إلى هواء الزفير.
تناقص كثافة الهواء كلما صعدنا إلى أعلى:
عند مستوى سطح البحر تكون كثافة الغازات المكونة للهواء متناسبة مع احتياجات الجسم من الأوكسجين ،وتقل كثافة الغازات كلما صعد الإنسان للارتفاعات العالية، وبالتالي يقل الضغط الجزيئي لكل الغازات، فكتلة الغازات غير موزعة بشكل متساوٍ بالاتجاه العمودي؛ حيث يجتمع 50% من كتلة الغازات المكونة من الهواء حتى ارتفاع 20 ألف قدم، و90% منها حتى 50 ألف قدم، وتتوزع 10% فقط في الفراغ فوق ذلك..  وهذا يؤدي بدوره إلى نقص الأوكسجين المتوفر في المرتفعات العالية فضلاً عن انخفاض ضغطه مما يؤدي إلى صعوبة تلبية احتياج الجسم لمتطلباته من الأوكسجين اللازم لعملياته الحيوية.
تأثير الضغط المنخفض للأكسجين على الجسم:
يعتبر الضغط الجوي للغازات المكونة للغلاف الهوائي المحيط بالأرض هو العامل الأهم في حفظ استمرار الحياة الطبيعية فوق سطح الأرض وفي غلاف جوها القريب؛ وذلك بالتأثير المباشر على الضغط الجزيئي للأكسجين في الهواء وفي الحويصلات الهوائية، والضغط الجزيئي لثاني أكسيد الكربون في الحويصلات الهوائية، ونسبة تشبع الأكسجين في الأوردة الدموية، فحيث يكون الضغط الجوي عند مستوى سطح البحر 760 مم/زئبق ـ يكون الضغط الجزيئي للأكسجين في الهواء 159 مم/زئبق وفي الحويصلات الهوائية 104 مم/زئبق والضغط الجزيئي لثاني أكسيد الكربون 40 مم/زئبق ونسبة تشبع الأكسجين في الأوردة 97%، وهذا هو الضغط المثالي للغازات المكونة للهواء المتلائم مع أعضاء الجسم البشري في القيام بالصورة المثلى لوظائفه، وعند الارتفاع إلى أعلى يقل الضغط الجوي ويشعر الإنسان بازدياد ضربات قلبه وتسارع عدد مرات تنفسه ويشعر بضيق متنامٍ في صدره كلما ارتفع إلى أعلى ويهبط الضغط الجوي عند الارتفاع إلى عشرة آلاف قدم فوق سطح البحر إلى 523 مم/زئبق، وهذا الانخفاض في الضغط يؤدي إلى انخفاض في الضغط الجزيئي للأوكسجين في الهواء إلى 110 مم/زئبق، وفي الحويصلات الهوائية إلى 67 مم/زئبق، أما الضغط الجزيئي لثاني أكسيد الكربون فيقل قليلاً: 36 مم/ زئبق. لذلك فالصعود إلى هذا المستوى من الارتفاع ( 10 آلاف قدم) ورغم الضيق الذي يشعر به الإنسان في صدره من جراء اللهثان التنفسي وسرعة النبض إلا أن هذا الضيق لا يشكل خطورة تهدد حياته حيث يمكن أن يتأقلم جسده فسيولوجيًّا على هذا النقص في أي مستوى خلال هذا الارتفاع.
الضغط الجزيئي للأكسجين في الحويصلات الهوائية عند الارتفاعات المختلفة:
يختلف الضغط الجزيئي للأكسجين في الحويصلات الهوائية من منطقة إلى أخرى عند الصعود إلى أعلى، وهذا ليس راجعًا فقط إلى نقصان الضغط الجوي العام لغازات الهواء المتنفس ولكن إلى الضغط الجزيئي لبخار الماء والذي يظل ثابتًا 47 مم/زئبق مع ثبات درجة حرارة الجسم في الوضع الطبيعي ومع تغير الضغط الجزيئي لثاني أكسيد الكربون،  فعند الصعود إلى المرتفعات العالية يتدفق باستمرار ثاني أكسيد الكربون من الدم الرئوي إلى الحويصلات الهوائية ويفرز بخار الماء من أسطح الجهاز التنفسي ويختلط مع هواء الزفير ويمتزج هذان الغازان مع الأوكسجين فيخفّ تركيزه في هواء الحويصلات الهوائية وبالتالي يؤدي إلى نقص في الضغط الجزيئي له عنه في الهواء الخارجي، ويهبط الضغط الجزيئي للأكسجين في الحويصلات الهوائية من 104 مم/زئبق عند سطح البحر إلى 40 مم/زئبق عند ارتفاع 20 ألف قدم عند الأشخاص غير المتأقلمين و53 مم/زئبق عند الأشخاص المتأقلمين، ويظهر الفرق بينهما في زيادة سرعة تهوية الحويصلات الرئوية (اللهثان) عند غير المتأقلمين أضعاف سرعتها عند المتأقلمين، وهذا القدر من ضغط الأكسجين في الحويصلات الهوائية (40 مم/زئبق) هو الذي يمكن أن تستمر معه الحياة بالكاد، وهو ما ثبت عند تنفس المتأقلمين للهواء الجوي على قمة إيفريست في جبال الهمالايا حيث يصل ارتفاعها إلى حوالي 29 ألف قدم.

تشبع الهيموجلوبين بالأكسجين عند الارتفاعات المختلفة:
تختلف نسبة تشبع الأكسجين في الأوردة الدموية حسب الارتفاعات حيث تكون عند سطح البحر حوالي 97% وتظل مرتفعة نسبيًّا حتى 10.000 ألف قدم، ثم تهبط بحدة بعد ذلك حيث تصل النسبة إلى حوالي 70% عند 20 ألف قدم، ثم هبوطا مريعًا 24% عند 30 ألف قدم شكل رقم(7).
الأعراض الحادة لنقص الأوكسجين Hypoxia
تبدأ هذه الأعراض عند الارتفاع عن سطح البحر بـ 12 ألف قدم حيث يشعر الإنسان بدوار وفتور وتعب ذهني وعضلي، وأحيانًا صداع ورغبة في القيء، وتتطور هذه الأعراض لتصل إلى حد التقلصات أو التشنجات لجميع عضلات الجسم فوق ارتفاع 18 ألف قدم، وتنتهي فوق 23 ألف قدم في شخص غير متأقلم إلى غيبوبة، ومن أهم هذه الأعراض أيضا نقص الوظائف العقلية ممثلة في نقص المحاكمة أو الحكم ونقص في الذاكرة ونقص في توظيف الحركات الإرادية المتباعدة وتزداد هذه الأعراض بالبقاء في الأجواء العليا بعض الوقت فلو مكث صاعد إلى أجواء الفضاء عند ارتفاع 15 ألف قدم لمدة ساعة لنقصت الوظائف العقلية لديه إلى 50% من الطبيعي، ولو مكث 18 ساعة عند نفس الارتفاع لنقصت إلى 20% من الطبيعي. ثم يؤدي هذا النقص الشديد في الأكسجين إلى اكتئاب عقلي ونقص شديد في كفاءة العضلات الإرادية واللاإرادية في العمل مما يسبب نقصا كبيرًا في كمية الدم المتدفق من القلب إلى أوردة الجسم نظرًا لضعف عضلة القلب وسرعة النبض الهائل وإذا ازداد الارتفاع توقف القلب عن العمل بالكلية.  كما قد يصاب بعض الأشخاص عند الصعود المفاجئ إلى المرتفعات العالية بوذمة دماغية حادة (Acute cerebral odema) تفقده القدرة على التوجيه والتكيف، أو بوذمة رئوية حادة (Acute pulmonary odema) تنهي عمل الرئتين تمامًا وتؤدي إلى موت محقق ـ إن لم يسعف الإنسان بأقصى سرعة.
وجه الإعجاز في الآية:
أشارت الآية الكريمة إلى عدة حقائق علمية تجلت في هذا الزمان يمكن تلخيصها فيما يلي:
1 ـ صعود الإنسان في السماء:
في قوله تعالى: (كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِى السَّمَآءِ) إشارة واضحة إلى إمكانية صعود الإنسان إلى السماء حيث شبه المولى ـ عز وجل ـ حال ضيق صدر الكافر عن قبول الإيمان بحال الذي يتصعد في السماء، وذكر وجه الشبه وهو الصفة المشتركة بينهما (ضَيِّقًا حَرَجًا) وجاء بأداة التشبيه (كَأَنَّ) ليقع  بعدها المشبه به في صورة حسية واضحة، وقد ثبتت بيقين هذه الصورة الحسية الناصعة في هذا الزمان، حيث صعد الإنسان إلى طبقات الجو العليا بتسلقه للجبال  الشاهقة (حيث تبلغ قمة جبال الهملايا حوالي 30 ألف قدم) وبصعوده إلى أعلى في أجواء الفضاء عبر البالونات وفي الطائرات الشراعية والنفاثة وعبر الصواريخ العملاقة، وقد سجلت بدقة متناهية التغيرات الفسيولوجية لجميع أعضاء وأجهزة الجسم عبر طبقات الجو المختلفة وأثر الصعود على الجهاز التنفسي والدوري - أي ما يحدث في صدر الإنسان من ضيق متدرج يصل عند ارتفاع معين إلى أشد أنواع الضيق، فالتشبيه بعد تحقق المشبه به في الواقع أصبح ظاهرًا وواضحًا أشد الوضوح، فهو تشبيه مُرسَل مفصَّل ذُكِرَت فيه أداة التشبيه ووجه الشبه، وهو تشبيه تمثيلي حيث وجه الشبه مُنتَزَع من أشياء متعددة مركبة من الضيق المتدرج
يليها مرحلة الانغلاق وهي أضيق الضيق، والآثار المترتبة من ذلك على أجهزة الجسم، وبما أن القرآن الكريم يستمد تشبيهاته من عناصر الكون ومشاهده من أجل تحقيق غايته في تثبيت ما يهدف إليه من ربط الشعور بالحس، وحيث إن حالة المشبه هي من الأمور المعنوية التي تثبت في الذهن بتثبيتها بصورة محسوسة، وحيث إن التشبيه لا تكمل أركانه ولا يكون وجه الشبه في المشبه به أقوى منه في المشبه إلا بحمل النص على ظاهره من قصد التصعد في السماء على الحقيقة، وحيث إن ألفاظ كل المشاهد في القرآن الكريم تتميز بدقة اختيارها ومطابقتها للمعنى، فالألفاظ في هذا المشهد أيضًا تجمع بين دقة الدلالة ووضوح العبارة، وحيث إنه لا توجد قرينة في النص تصرف دلالة اللفظ الظاهر عن معناه ـ فبذلك يثبت أن في الآية الكريمة دلالة واضحة على إمكانية صعود الإنسان إلى أجواء الفضاء.. وتعتبر هذه الإشارة إخبارًا عن حقيقة وقعت ونبوءة تحققت في هذا الزمان.
2 ـ ضيق الصدر المتدرج:
والمتمثل في صعوبة التنفس واضطراب القلب والدورة الدموية الذي يعاني منه المتصعد في السماء والذي تزداد نسبته مع درجات الارتفاع.
وبما أن الجهاز الدوري يشارك الجهاز التنفسي مشاركة فعالة وأساسية في تبادل الغازات خارج وداخل الجسم وأن مكونات هذا الجهاز الرئيسة موجودة داخل منطقة الصدر ـ لذلك كان التعبير القرآني شاملاً حينما حدد مكان الضيق الذي يعاني منه الإنسان في الارتفاعات العالية بأنه في عموم الصدر وليس في أعضاء التنفس فقط. انظر الشكل (2).
ويفهم من عبارة النص الكريم (ضَيِّقًا حَرَجًا) بأن هذا الضيق ضيق متدرج ويستمر في الزيادة حتى يصل إلى الذروة في الضيق وهذا ما قرره علماء اللغة والتفسير حيث فسروا (ضَيِّقًا حَرَجًا) على أنه ضيق بعد ضيق، والحرج على أنه أضيق الضيق أو أشده، يقول القرطبي: (فكأنه ضيق بعد ضيق)، وهذا ما يتطابق علميًّا مع ما يشعر به الصاعد في أجواء السماء من ضيق متدرج في التنفس يزداد كلما زاد الارتفاع إلى أعلى حيث تقل كثافة الهواء في طبقات الجو المختلفة فيقل تبعا لها الضغط الجوي للغازات المكونة للهواء وأهمها الأكسجين فتزداد سرعة دورات التنفس حتى تصل إلى اللهثان مع ازدياد في عدد نبضات القلب فيشعرالإنسان بهذا الضيق بدءًا من ارتفاع ثلاثة آلاف قدم فوق مستوى سطح البحر، ثم يتنامى الضيق بالتدريج في صدره كلما ازداد الصعود حيث يقل الضغط الجزيئي للأكسجين في الحويصلات الهوائية وتقل تبعا له درجة تركيز الأكسجين في الدم وبالتالي حرمان جميع أنسجة الجسم من الأكسجين اللازم لها، وبعد ارتفاع 12 ألف قدم فوق مستوى سطح البحر تبدأ أعراض نقص الأكسجين متمثلة في الشعور بفتور ودوار وتعب ذهني وعضلي إلى أن تصل إلى حد التقلصات والتشنجات في جميع عضلات الجسم ومنها العضلات بين الضلوع وعضلة الحجاب الحاجز وعضلات الرقبة والكتفين والبطن المتعلقة باتساع القفص الصدري أثناء الشهيق حينما تتقلص تقلصًا دوريًّا طبيعيًّا فيأخذ الضيق في الازدياد بحدوث التعب العضلي لعضلات التنفس مع الدوار والتعب الذهني، ويزداد القفص الصدري ضيقًا بحدوث التقلصات والتشنجات غير المنتظمة في عضلات التنفس حيث يضطرب اتساع التجويف الصدري أثناء الشهيق كما تضطرب عملية الزفير فوق 18 ألف قدم فيشعر الإنسان بضيق شديد ينتهي به فوق 23 ألف قدم إلى غيبوبة ـ إن كان شخصًا غير متأقلم ـ وقد ثبت أنه يمكن للأشخاص الذين يركبون الطائرات الشراعية غير المجهزة بالضغط الملائم من الداخل أن يطيروا لارتفاع 23 ألف قدم ويكونوا في حالة وعي إلى أن يهبط تركيز الأوكسجين في الدم من 40 إلى 50% عن معدله عند مستوى سطح البحر ـ فيفقدوا الوعي.
كما قد يصاب بعض الأشخاص بوذمة رئوية حادة كنتيجة لتسرب وانتقال السوائل من شعيرات الأوعية الدموية ذات الضغط المرتفع عنها في أنسجة الرئتين والتي يؤدي تجمعها إلى انكماش أنسجة الرئتين تمامًا ويدخل الإنسان إلى الضيق الحرج والذي تنغلق فيه مجاري التنفس انغلاقًا لا ينفذ منه شيء على الإطلاق.
وأهم التأثيرات لحرمان الجسم من الأكسجين في الارتفاعات العالية هو نقص الوظائف العقلية متمثلة في نقص الحكم على الأشياء، فيقل التمييز بين الصواب والخطأ وتنقص الذاكرة والتي هي مخزن المعلومات لديه، ثم يؤدي النقص الشديد في الأكسجين إلى اكتئاب عقلي وتزداد هذه الأعراض بالبقاء في الأجواء العليا وقتًا أطول، فتأمل هذه التأثيرات التي يعاني منها الصاعد في السماء والكافر الذي انغلق قلبه عن قبول الإيمان لتدرك دقة الصورة التمثيلية في هذا التشبيه الرائع.  ثم يؤدي النقص الشديد في الأكسجين بزيادة الارتفاع إلى الطبقات الأعلى إلى نقص شديد في كفاءة العضلات الإرادية واللاإرادية في الجسم كله مما يسبب نقصًا كبيرًا في كمية الدم المتدفق إلى الأوعية الدموية نظرًا لضعف عضلة القلب مع السرعة الهائلة في النبض، كما أن عضلات التنفس تتوقف عنها الإشارات العصبية  الواردة إليها من مركز التنفس نتيجة لتثبيطه من جراء النقص الشديد في الضغط الجزيئي لثاني أكسيد الكربون في الدم نظرا لدفقه بكميات هائلة أثناء تهوية الحويصلات (اللهثان) وزيادة حمضية سوائل الجسم، وهذا التثبيط يمنع تنشيط المستقبلات الحساسة في جدر الأورطى والشريان السباتي لمركز التنفس؛ وبالتالي يكف عن إرسال إشاراته العصبية لتنشيط تقلص عضلات التنفس فلا يتسع القفص الصدري ولا تتمدد الرئتان أثناء الشهيق ولا يقل الضغط في مجاري التنفس عنه في الخارج فلا يدخل الهواء محملاً بالأكسجين فيصاب الإنسان بضيق شديد بالغ، وهذا كله مرتبط ارتباطًا وثيقًا بالتبادل الغازي للأكسجين وثاني أكسيد الكربون بين خلايا الأنسجة وبين الأوعية الدموية الدقيقة وهو ما يسمى بالتنفس الداخلي والذي يؤثر بدوره عبر نظم كيميائية وعصبية عديدة ومعقدة ـ على ما يحتويه الصدر من أعضاء الجهاز التنفسي الخارجي وأعضاء الجهاز الدوري الدموي فيسبب الضيق الصدري والذي تتناسب شدته مع درجة الحرمان من الأكسجين.
3 ـ الحرج (منطقة الانغلاق):
كلما ازداد الارتفاع أصيب الإنسان بأعراض نقص الأكسجين نظرًا لتناقص كثافة كتلة الغازات كلما صعدنا إلى أعلى ويختلف تأثير الارتفاع المفاجئ والحاد عن الارتفاع البطيء والمتدرج على أجهزة الجسم، ويفهم من عبارة النص الكريم (كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ) أن المراد هو الارتفاع المتدرج البطيء يؤيده قول القرطبي أن يصعَّد من الصعود وهو الطلوع وأن يتصاعد فيه معنى شيء بعد شيء وذلك أثقل على فاعله، ويتصعد يتكلف ما لا يطيق شيئًا بعد شيء كقولك: يتجرع ويتفوق، فيمكن القول بأن معنى يصعد أو يصّاعد أنه يفعل صعودًا بعد صعود وهو أثقل عليه وأشد، وذلك لأن الصعود البطيء إلى أعلى درجة بعد درجة يتيح للإنسان الشعور بدرجات شدة الضيق عند كل درجة ثم لا يلبث أن تخف حدته بالمكث فترة من الزمن ثم يزداد الضيق بالارتفاع إلى درجة أعلى وهكذا إلى أن يصل لمرحلة ذروة الضيق.
إن وظائف أعضاء الجسم يمكن أن تتأقلم على نقص الأكسجين خلال الارتفاع البطيء لمسافة عشرة آلاف قدم فوق سطح البحر، وتخف حدة الشعور بالضيقتدريجيًّا عند كل البشر بالمكث في الأماكن المرتفعة خلال هذه المسافة، أما الصعود إلى أعلى من ذلك درجة بعد درجة فيتجرع الإنسان خلاله درجات شدة الضيق،  ويختلف الإنسان العادي عن الإنسان المتأقلم في مستوى الارتفاع الذي يحقق نفس درجة الضيق ويصل كل منهما إلى أقصى وأشد درجات الضيق والذي لا يكون بعدها إلا الموت المحقق عند مستوى معين من الارتفاع والذي يمكن أن نسميه (وفق المصطلح القرآني): المستوى (الحرج) والذي يمكن تعريفه علميًّا بأنه:
المستوى الذي يقل فيه الضغط الجزيئي للأكسجين في الحويصلات الهوائية إلى المستوى الذي لا يسمح فيه بانتقال الأكسجين من الحويصلات الهوائية إلى الدم، وبعد هذا المستوى يصل الضيق إلى نهايته وذروته، ويختلف هذا المستوى الحرج من الشخص غير المتأقلم والذي يعيش عند مستوى سطح البحر عن الشخص المتأقلم والذي يعيش في مستوى مرتفع عن سطح البحر، وقد سجلت المراجع الطبية هذا المستوى للشخص غير المتأقلم فوق 20 ألف قدم بينما سجلته فوق ارتفاع 29 ألف قدم للشخص المتأقلم، فإذا صعد الإنسان فوق هذا المستوى من الارتفاع ازداد عنده شدة ضيق التنفس وكربة الصدر نتيجة لتوقف سريان الأكسجين إلى الدم وانغلاق تام إلى أن يصاب بصدمة عصبية وغيبوبة تنتهي به إلى الموت المحقق، وهذا الضيق هو ضيق حقيقي متدرج للقفص الصدري إلى أن يتوقف اتساعه أثناء الشهيق بعدم تقلص عضلات الحجاب الحاجز والعضلات بين الضلوع، وعندما لا تتمدد الرئتان أثناء الشهيق، وعندما تضيق مجاري الهواء في الرئتين تتقلص العضلات الإرادية المحيطة بهذه القصبات، أو عندما تحدث الوذمة الرئوية الحادة والتي تؤدي إلى انكماش الرئتين وانسداد مجاري التنفس تمامًا وإنهاء عمل الرئتين بالضغط عليها من الخارج، وعندما يرتفع الضغط داخل الجانب الأيمن في القلب وداخل الأوعية الرئوية ليدفع الدم بقوة إلى نظام شبكة الشعيرات الدموية الرئوية الكبيرة المتمددة. وهذا الضيق الحقيقي يتوافق ومعاني الضيق والحرج الذي ذكره المفسرون؛ فهو ضيق بعد ضيق إلى أن يبلغ أشد درجاته، وهو أيضا لا ينفذ منه شيء كالحرجة وهي الشجرة التي التفت بها الأشجار التفافا شديدا، أو هي الموضع الذي التف شجره فلا يصل إليه شيء من شدة التفافه.
كما أنه يصاحب هذا الضيق معاناة ومشقة بالغة وآلام عند التنفس، وهذا ما يتوافق والمعنى اللغوي للصعود، والذي يفيد -علاوة على معنى الذهاب إلى أعلى - معنى المشقة والألم المصاحب للتنفس.
إن ورود هذه الحقائق العلمية المتمثلة في إمكانية الصعود في السماء، والضيق المتدرج الذي يعاني منه الصاعد فيها، والمستوى الحرج الذي يصل فيه الضيق إلى ذروته، والتي ذكرت في هذا المشهد القرآني البليغ لهي إعجاز علمي واضح؛ إذ ما كان أحد في زمن الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ يمكن أن يتخيلها فضلاً  عن أن يكتشفها.
إن هذه الحقائق لم تكن معلومة على وجه القطع في زمن الوحي ولا حتى بعده بقرون، ولم تعرف هذه الحقائق وتكتشف إلا خلال القرون الثلاثة الأخيرة، وكانت البداية حينما اكتشف العالم (بليز باسكال) عام 1648م أن ضغط الهواء يقل كلما ارتفعنا عن مستوى سطح الأرض، وقد تجلت هذه الحقائق في القرن العشرين حينما ارتبطت أبحاث وظائف أعضاء الجسم بصعود الإنسان في طبقات الجو العليا عبر تسلق الجبال الشاهقة وركوب الطائرات الشراعية والعمودية والنفاثة وتقدم وسائل البحث والرصد، وكان (بول بيرت) هو أول طبيب يقوم بدراسات موسعة عن طب الطيران وتأثير انخفاض الضغط الجوي على وظائف أعضاء الجسم وقد نشر عام 1887م كتابًا أسماه (الضغط الجوي).
فمن أخبر محمدًا ـ صلى الله عليه وسلم ـ بهذه الحقائق منذ ما يزيد على أربعة عشر قرنًا؟ إنه وحي الله الذي خلق الكون والإنسان ويعلم سنن الخلق. إن تجلي هذه الحقائق في هذا الزمان لهي من وعد الله لنا بإظهار أنباء القرآن الكريم في الزمن المستقبل قال تعالى: (إِنْ هُوَ إِلا ذِكْرٌ ِلّلْعَالَمِينَ وَلَتَعْلَمُنَّ نَبَأَهُ بَعْدَ حِينٍ) سورة ص.
المراجع:
1 ـ النسفي (‎عبدالله بن أحمد بن محمود)، مدارك التنزيل وحقائق التأويل ط1 ـ 1415هـ ـ 1995م، بيروت، دار الكتب العلمية.
2 ـ البيضاوي (ناصر الدين أبو سعيد عبدالله الشيرازي)، أنوار التنزيل وأسرار التأويل، ط1 1408هـ ـ 1988م، بيروت، دار الكتب العلمية.
3 ـ أبو السعود (محمد بن محمد العمادي) إرشاد العقل السليم إلى مزايا القرآن الكريم، دار إحياء التراث العربي، بيروت.
4 ـ أبو محمد مكي بن طالب القيسي، الكشف عن وجوه القراءات السبع وعللها وحججها، ط4 1407هـ ـ 1987م، مؤسسة الرسالة، بيروت.
5 ـ ابن كثير (أبو الفداء إسماعيل بن كثير) تفسير القرآن العظيم، بيروت.
6 ـ الطبري (أبو جعفر محمد بن جرير) جامع البيان عن تأويل آي القرآن، 1405هـ ـ 1984م، دار الفكر بيروت.
7 ـ الشوكاني (محمد بن علي) فتح القدير، 1983م، دار الفكر، بيروت.
8 ـ الرازي (الفخر) التفسير الكبير، دار الباز، مكة المكرمة.
9 ـ القرطبي (أبو عبدالله محمد بن أحمد الأنصاري) الجامع لأحكام القرآن، دار إحياء التراث العربي، بيروت.
10 ـ ابن منظور، لسان العرب.
11 ـ الألوسي (محمود البغدادي) روح المعاني في تفسير القرآن الكريم والسبع المثاني، 1414هـ ـ دار الفكر، بيروت.
12 ـ إسماعيل حقي البرسوي، تفسير روح المعاني، دار الفكر، بيروت.
13 ـ محمد علي الصابوني، صفوة التفاسير، دار الفكر، بيروت.
1 - Guyton, Text book of Medical physiology (1991) 8
Edition.  W.B. Saunders USA.
2 - Ross and Wilson, Anatomy and physiology in health and illness (1994) 7 Edition, Churchill Livingstone.
3 - Arthur C.guyton, Human physiology and Mechanisms of disease (1992) fifth Edition W.B. Sounders company.U.S.A

الإعجاز العلمي في حديث الثلث

| 0 التعليقات

د. عبدالجواد الصاوي


روى الترمذي في صحيحه(1) عَنْ المِقْدَامِ بْنِ مَعْدِي كَرِبَ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ ـ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ يَقُولُ: مَا مَلأ آدَمِيٌّ وِعَاءً شَرٌّا مِن بَطْنٍ، بِحَسْبِ ابْنِ آدَمَ أُكُلاتٌ يُقِمْنَ صُلْبَهُ فَإِنْ كَانَ لا مَحَالَةَ فَثُلُثٌ لِطَعَامِهِ وَثُلُثٌ لِشَرَابِهِ وَثُلُثٌ لِنَفَسِهِ قَالَ أَبو عِيسَى هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ * كما رواه ابن ماجه في سننه(2) عن نفس الصحابي: الْمِقْدَامَ بْنِ مَعْدِي كَرِبَ قال: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ ـ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ يَقُولُ: مَا مَلأ آدَمِيٌّ وِعَاءً شَرٌّا مِنْ بَطْنٍ حَسْبُ الآدَمِيِّ لُقَيْمَاتٌ يُقِمْنَ صُلْبَهُ فَإِنْ غَلَبَتِ الآدَمِيَّ نَفْسُهُ فَثُلُثٌ لِلطَّعَامِ وَثُلُثٌ لِلشَّرَابِ وَثُلُثٌ لِلنَّفَسِ * ورواه الإمام أحمد في مسنده عن نفس الصحابي أيضًا(3).
أشار النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ في هذا الحديث إلى عدة حقائق، فقد شبه النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ المعدة (المشار إليها في الحديث بالبطن) بالوعاء.  وأخبر النبي  أن ملء هذا الوعاء بكثرة الأكل شر على الإنسان. ونصح بالاكتفاء من الطعام على قدر الاحتياج، وقسم النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ حجم المعدة إلى ثلاثة أقسام وأخبر أن أكبر كمية من الطعام والشراب يمكن أن يتناولها المرء عند الحاجة الملحّة هو مقدار ما يملأ ثلثي حجم المعدة. وأخبر ـ صلى الله عليه وسلم ـ أن ترك ثلث حجم المعدة خاليًا من الطعام والشراب ضروري لنَفَس الإنسان. وقد أثبت العلم الحديث هذه الحقائق وأيدها، وتقسيم حجم المعدة إلى ثلاثة أثلاث: ثُلُثين للطعام والشراب، وثُلُثٌ للنَّفَس، لم يُذكر سُدًى في هذا الحديث بل لحكمة بالغة تجلت ووضحت في هذا الزمان، فإذا سأل سائل لماذا هذا التقسيم وتحديده بالثُّلُث؟ ثم كم مقدار هذا الثُّلُث؟ وما الذي يحدث إذا تجاوز المرء ولم يلتزم بهذا التوجيه النبوي؟ ـ أمكن إجابته على ضوء المعارف الطبية الحديثة، وفي هذا المقال سأحاول الإجابة على هذه الأسئلة وفق ما استقر من حقائق اكتشفت حديثًا في مجال علم التشريح ووظائف الأعضاء معتمدًا على الركائز التالية:
1 ـ شرح بعض علماء المسلمين للحديث.
2 ـ إيراد أبرز المعارف العلمية الحديثة المتعلقة بموضوعه.
3 ـ إبراز وجه الإعجاز العلمي في هذا الحديث العظيم.
أولاً: أقوال شُرّاح الحديث

1 ـ  أضرار امتلاء المعدة:

لقد تعددت مظاهر استنباط العلماء للحِكَمِ الصحية في هذا الحديث، فقد أفرد ابن القيم في الطب النبوي فصلاً حول هديه ـ صلى الله عليه وسلم ـ في الاحتماء من التخم والزيادة في الأكل على قدر الحاجة، والقانون الذي ينبغي مراعاته في الأكل والشرب فقال(4): (والأمراض نوعان: أمراض مادية تكون عن زيادة مادة: أفرطت في البدن حتى أضرت بأفعاله الطبيعية، وهي الأمراض الأكثرية. وسببها: إدخال الطعام على البدن قبل هضم الأول، والزيادة في القدر الذي يحتاج إليه البدن، وتناول الأغذية القليلة النفع، البطيئة الهضم؛ والإكثار من الأغذية المختلفة التراكيب المتنوعة. فإذا ملأ الآدمي بطنه من هذه الأغذية، واعتاد ذلك ـ أورثته أمراضًا متنوعة، منها بطيء الزوال أو سريعه. فإذا توسط في الغذاء، وتناول منه قدر الحاجة، وكان معتدلاً في كميته وكيفيته كان انتفاع البدن به أكثر من انتفاعه بالغذاء الكثير.
فامتلاء البطن من الطعام مضر للقلب والبدن. هذا إذا كان دائمًا أو أكثريٌّا وأما إذا كان في الأحيان، فلا بأس به؛ فقد شرب أبو هريرة ـ رضي الله عنه ـ بحضرة النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ من اللبن، حتى قال: (و الذي بعثك بالحق لا أجد له مسلكًا)؛ وأكل الصحابة بحضرته مرارًا حتى شبعوا. والشبع المفرط يضعف القوى والبدن، وإن أخصبه. وإنما يقوى البدن بحسب ما يقبل من الغذاء، لا بحسب كثرته).
وقال الإمام الحافظ شمس الدين الذهبي(5): (روي عن أنس ـ رضي الله عنه ـ عن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ قال: (أصل كل داء البردة)، وروي أيضًا عن ابن مسعود. والبردة: التخمة، لأنها تبرد حرارة الشهوة، فينبغي الاقتصار على الموافق الشهي بلا إكثار منه. قال النبي ـ صلى الله عليه وسلم: (ما ملأ ابن آدم وعاء شرٌّا من بطن، بحسب ابن آدم أُكُلات يقمن صلبه، فإن كان لا محالة، فثلث لطعامه، وثلث لشرابه، وثلث لنَفَسِه). وأُكُلات جمع أُكُلة، وهي اللقمة، وهذا باب من أبواب حفظ الصحة.
وقال عمر ـ رضي الله عنه: (إياكم والبطنة، فإنها مفسدة للجسم، مورثة للسقم، مكسلة عن الصلاة، وعليكم والقصد فإنه أصلح للجسد، وأبعد عن السرف، وإن الله تعالى ليبغض الحبر السمين) رواه أبو نعيم. واعلم أن الشبع بدعة ظهرت بعد القرن الأول، قال رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم: (المؤمن يأكل في معي واحد والكافر يأكل في سبعة أمعاء) (متفق عليه)، ولا تدخل الحكمة معدة ملئت طعامًا، فمن قل طعامه قل شربه، ومن قل شربه خف منامه، ومن خف منامه ظهرت بركة عمره، ومن امتلأ بطنه كثر شربه، ومن كثر شربه ثقل نومه، ومن ثقل نومه محقت بركة عمره، فإذا اكتفى بدون الشبع حَسُنَ- اغتذاء بدنه، وصلح حال نفسه وقلبه.
ومن تملى من الطعام ساء غذاء بدنه، وَأَشِرَت نَفْسُه وقسا قلبه، فإياكم وفضول المطعم فإنه يَسِمُ القلب بالقسوة، ويبطئ بالجوارح عن الطاعة، ويصم الأذن عن سماع الموعظة).

2 ـ المعدة: ثلاثة أقسام

قال ابن القيم: ومراتب الغذاء ثلاثة (أحدها): مرتبة الحاجة؛ (والثانية): مرتبة الكفاية؛ (والثالثة): مرتبة الفضلة. فأخبر النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ أنه يكفيه لقيمات يقمن صلبه، فلا تسقط قوته ولا تضعف معها؛ فإن تجاوزها: فليأكل في ثلث بطنه، ويدع الثلث الآخر للماء، والثالث للنفس.
وهذا من أنفع ما للبدن والقلب؛ فإن البطن إذا امتلأ من الطعام، ضاق عن الشراب. فإذا أورد عليه الشراب ضاق عن النفس، وعرض له الكرب والتعب، وصار محمله بمنزلة حامل الحمل الثقيل. هذا إلى ما يلزم ذلك من فساد القلب، وَكَلِّ الجوارح عن الطاعات، وتحركها في الشهوات التي يستلزمها الشبع(4).
وقال الحافظ ابن حجر(6): قال القرطبي في (شرح الأسماء): لو سمع بقراط بهذه القسمة لعجب من هذه الحكمة. وقال الغزالي قبله في (باب كسر الشهوتين) من (الإحياء): ذكر هذا الحديث لبعض الفلاسفة فقال: ما سمعت كلامًا في قلة الأكل أحكم من هذا. ولا شك في أن أثر الحكمة في الحديث المذكور واضح، وإنما خص الثلاثة بالذكر لأنها أسباب حياة الحيوان، ولأنه لا يدخل البطن سواها. وهل المراد بالثُّلُث التساوي على ظاهر الخبر، أو التقسيم إلى ثلاثة أقسام متقاربة؟ محل احتمال، والأول أولى.
ثانيًا: الطرح العلمي
المعدة: التركيب والوظيفة (11)
المعدة هي جزء متســع من القناة الهضمية وتقـع بين المريء والأمعــاء الدقيقــة ويقــع معظمها تحت الغشــاء المبطن للضلـوع، وتتمثل على ظاهر البطن في المنطقة الشراسيفية (Epigastric Region)، ومنطقة السرة ومنطقة الربع الأيسر الأعلى من البطن انظر الشكل (1) وتحيط بها من الداخل الأعضاء التالية:

شكل (1): يبين موقع المعدة على ظاهر البطن

من الأمام: الفص الأيسر من الكبد وجدار البطن الأمامي. ومن الخلف: الجزء الباطني من الشريان الأورطي والبنكرياس والطحال والكلية اليسرى والغدة الكظرية.
ومن أعلى: الحجاب الحاجز والمريء والفص الأيسر من الكبد
ومن الأسفل: القولون المستعرض والأمعاء الدقيقة.
ومن الأسفل لليسار: الحجاب الحاجز والطحال.
ومن الأسفل لليمين: الكبد والاثنا عشر انظر الشكل (2)


شكل (2): أ ، ب  يبين المعدة والأعضاء المحيطة بها
وتتصل المعدة بالمريء عند الصمام الفؤادي Cardiac Sphincter وهذا يمنع رجوع الطعـــام إلى المــريء كما تتصـــل بالأمعاء الدقيقة عند صمـــام البواب والذي يقفل عندما تحتوي المعدة على الطعام، ويقسم علماء الطب المعدة إلى ثلاث مناطق:
قاع المعدة Fundus، وجسم المعدة، ومنطقة الغار البوابي Pyloric Antrum، انظر الشكل (3) وتصــــل للمعــــــدة الأعصاب الودية Sympathatic nerves من الشبكة البطنية Coeliac Plexus وهي المسؤولة عندما تثار وقت الشدة في تثبيط حركة الأمعاء وتثبيط إفراز العصارة المعدية، بينما تصل إليها الأعصاب نظيرة الودية Parasympathatic nerves من العصب المبهم Vagus nerve وهي المسؤولة عن تنشيط حركة الأمعاء وتنشيط إفراز العصارة المعدية، ويتجمع الطعام في المعدة في هيئة طبقات يبقى الجزء الأخير منه في قاع المعدة لبعض الوقت ثم يخلط بالعصارة المعدية بالتدريج كما يبقى لبعض الوقت أيضًا لإضافة العصارة الحمضية على الطعام لوقف عمل أنزيمات اللعاب Salivary Amylase

شكل (3) منظر داخلي للمعدة
يبين أقسامها الثلاث وصماماتها
شكل رقم(4) الغشاء المبطن للمعدة
عندما تكون فارغة
ويتركب جدار المعدة من ثلاث طبقات من العضلات: طبقة خارجية من ألياف عضلية طولية، وطبقة متوسطة من ألياف عضلية مستديرة، وطبقة داخلية من ألياف عضلية مائلة، وهذا التنظيم يسمح بالحركة الطاحنة المميزة لنشاط المعدة بالإضافة إلى حركتها الدودية، وتتقوى العضلات المستديرة في منطقة الغار البوابي والصمام البوابي؛ وذلك لإحكام إغلاق هذين الصمامين وقت الحاجة، أما الغشاء المبطن للمعدة فيكون في ثنيات طولية أو تجاعيد عندما تكون المعــدة فـارغة، وعند امتلائها تزول هذه التجاعيد وتصبح بطانة المعدة ذات ملمس مخملي، انظر الشكل (4)، وتحت هذا الغشاء توجد غدد عديدة لإفراز العصارة المعدية، وتفرز المعدة حوالي لترين من هذه العصارات في اليوم.
ويعتمد إفراغ المعدة على نوعية الطعام بداخلها؛ فوجبة الكربوهيــدرات تـترك المعــدة بعد 2 ـ 3 ساعات، بينما تتأخر وجبة البروتينات إلى فترة أطول، وأما وجبة الدهنيات فتمكث فترة أطول منهما.

الحجم الأقصـى للمعدة:

يختلف حجم المعدة بحسب كمية الطعام التي تحتويها. فحينما يدخل الطعام إلى المعدة نجدها تنتفخ تدريجيٌّا للخارج مستوعبة كميات أكبر وأكثر من الطعام ـ حيث تتمتع الألياف العضلية الملساء في المعدة بخاصية المرونة ـ حتى تصل إلى أقصى حد لها وهو حوالي لتر ونصف اللتر. ويظل الضغط داخل المعدة منخفضًا حتى تقترب من هذا الحجم(12) بناء على قانون لابلاس القائل بأنه كلما ازداد قطر الجسم كلما ازداد التقعر في جداره، فلا تسبب زيادة قطر المعدة ارتفاعًا في الضغط داخلها إلا بدرجات ضئيلة جدٌّا(13)، وبما أن حجم المعدة حوالي 1500 لتر يمكن تقسيم حجم المعدة إلى ثلاثة أقسام متساوية سعة كل قسم نصف لتر (500مل).
ثلث حجم المعدة الفارغ ضروري لِنَفَسِ الإنسان
هناك علاقة حيوية بين المعدة والتنفس حيث تكمن المعدة في الجزء العلوي من التجويف البطني تحت الحجاب الحاجز مباشرة وتستقبل الطعام بعد مضغه وبلعه ومروره بالمريء. وللمعدة قدرة كبيرة على تغيير حجمها، فهي تبدو صغيرة عندما تكون فارغة، وتتمدد كثيرًا بعد تناول وجبة كبيرة، وعندئذ يشعر الإنسان بعدم الراحة وصعوبة في التنفس، ويعني ذلك أن المعدة قد امتلأت أكثر من اللازم حتى أصبحت تشغل حيزًا يزيد عن المعتاد فضغطت على الحجاب الحاجز. فأوجد هذا صعوبة في تقلصه وإعاقته عن الحركة إلى أسفل بالقدر اللازم لحدوث تنفس عميق. أ.هـ (9).
دورة التنفس وعلاقتها بالمعدة(11)
تتكون دورة التنفس من الشهيق والزفير وفترة راحة بينهما، ويتسع القفص الصدري أثناء الشهيق نتيجة لنشاط عضلي ـ بعضه إرادي وبعضه غير إرادي ـ والعضلات الرئيسة التي تتحكم في التنفس الطبيعي الهادئ هي العضلات بين الأضلاع وعضلة الحجاب الحاجز، أما في التنفس الصعب أو العميق وهو تنفس طارئ فتتدخل فيه عضلات الرقبة والصدر والبطن.
ويشكل الحجاب الحاجز فاصلاً بين التجويف الصدري والبطني؛ فهو يمثل أرضية للتجويف الصدري وسقفًا للتجويف البطني، ويقع في مقابل الفقرة الصدرية الثامنة في حال ارتخائه، وعندما تنقبض عضلته يتسع التجويف الصدري في الطول وذلك لاتصالها بالضلع الأول الثابت في الصدر، وعندئذ يقع الحجاب الحاجز مقابل الفقرة الصدرية التاسعة، انظر شكل (5) كما يتسع التجويف الصدري من الجانبين والأمام والخلف بسبب انقباض العضلات بين الضلوع، وهذا الاتساع يؤدي إلى انخفاض الضغط داخل التجويف الصدري وارتفاعه داخل التجويف البطني، وعندما تزداد سعة القفص الصدري بواسطة هذه الانقباضات العضلية تتحرك الجنبة الجدارية  ParaitalPleura مع أسطح الصدر والحجاب الحاجز، وهذا يؤدي إلى خفض الضغط داخل التجويف البللوري فتتمدد الرئتان.
ويؤدي تمددهما إلى انخفاض الضغط داخل الحويصلات والممرات الهوائية فيندفع الهواء إليهما لكي يتعادل ضغط هواء الحويصلات الهوائية مع الضغط الجوي. وقد وجد أن انخفاض هذا الضغط 1سم/ماء. ورغم أنه انخفاض طفيف إلا أنه كاف ليحرك حوالي نصف لتر من الهواء إلى الرئتين في خلال ثانيتين وهي المدة اللازمة للشهيق(13). انظر شكل (6)، كما أن انخفاض هذا الضغط داخل التجويف الصدري يساعد في رجوع الدم الوريدي غير المؤكسد إلى القلب ويعرف بمضخة التنفس. Respiratory pumb

حجم هواء التنفس

تذكر المراجع الطبية الحديثة أنه مع كل شهيق وزفير في التنفس الطبيعي تدخل إلى الرئتين وتخرج منها حوالي500 ملليمتر من الهواء مع كل تنفس(11) وبما أن هذه الكمية تدخل وتخرج بانتظام كمد البحر فإنها لذلك تسمى الحجم المدي(Tidal Volum) وهو يقدر بجهاز خاص لقياس كمية الهواء المتبادل في عملية التنفس يسمى مقياس النفس( spirometer14).

الطعام وكيف يستفيد منه الجسم؟

يتكون الطعام الذي نأكله من البروتينات، والكربوهيدرات، والدهون، والفيتامينات مخلوطة بأثر بسيط من معادن الأرض، ولقد هيأها الله سبحانه في صور شتى، وألوان مختلفة، وطعوم جذابة، ليتناولها الإنسان بشغف.
ويستفيد الجسم من الطعام بتحوله إلى مكوناته الأولية وتحرر الطاقة الكامنة فيه بين جزئيات مواده وذراتها عبر عملية تسمى بالتمثيل الغذائي؛ والتي يمكن تلخيصها بعمليتي البناء والهدم. ففي عملية البناء تستخدم مكونات الغذاء المختلفة بعد تحللها بالعصارات الهضمية وامتصاصها في بناء الخلايا الجديدة، والمركبات الحيوية المختلفة، وفي عملية الهدم يقوم الجسم بحرق مكونات الطعام بخطوات دقيقة ومتدرجة حيث تؤكسد فيها: الكربوهيدرات، والبروتينات والدهون، منتجة ثاني أكسيد الكربون، والماء، والطاقة. ويستفيد الجسم من الطاقة التي حصل عليها في تشغيل أجهزته المختلفة، وفي الحركة، وفي إنتاج الحرارة اللازمة لحفظ درجة ثابتة لا تتغير، وما يزيد عن حاجته منها يخزن في مخازن خاصة تستجلب عند الحاجة إليها.

مصير الطاقة الفائضة

تفيض الطاقة عن حاجة الجسم الفعلية وتختزن في داخله، إما على هيئة مواد غذائية مكثفة تنطلق منها الطاقة الكامنة فيها عند أكسدتها، كالدهون المختزنة تحت سطح الجلد وداخل الجسم، والبروتينات المختزنة في العضلات وخلايا الأنسجة الأخرى، والجليكوجين المختزن في الكبد والعضلات، ويتم اختزان الطاقة على هذه الهيئة أثناء المرحلة المتوسطة من التمثيل الغذائي، حيث تكون المركبات الكيميائية الناتجة من السكريات والأحماض الأمينية والدهون متشابهة إلى حد بعيد, ويمكن عندئذ تحويل كل منها للآخر ومقادير هذه الطاقة المختزنة في الشخص البالغ الذي يزن 70 كجم تصل إلى 166 ألف كيلو كالوري تشكل الدهون فيها أعلى نسبة، وهذه الطاقات تكفي لحياة الإنسان من شهر إلى ثلاثة شهور لا يتناول فيها طعامًا قط.

العلاقة بين تمدد الرئتين والغشاء البلّوري المحيط بهما


شكل (5): يبين الجزء السفلي من الرئة الذي يتمدد
فيسمح بدخول هواء الشهيق عندما يهبط الحجاب الحاجز
أو تختزن الطاقة في روابط كيميائية لبعض المركبات ذات القدرة على اختزان كميات هائلة منها في المرحلة الأخيرة من الهدم، حيث تتحول جميع المركبات الكيميائية إلى ثاني أكسيد الكربون وذرات الهيدروجين التي تتأكسد لتكون الماء، وتطلق الطاقة من هذه التفاعلات، ولا تستطيع الخلايا أن تستخدمها مباشرة، ولكنها تختزن في مركبات فوسفورية عالية الطــاقة،  وخـــير مثــال لهذه المركبات هو مركب الأدينوزين ثلاثي الفوسفات (ATP)، والذي يعتبر المخزن الرئيس للطاقة في الجسم، حيث تختزن الطاقة في هذا المركب العجيب حسب عدد روابطه الفوسفاتية، فالرابطة الثلاثية تختزن كمية أكبر من الرابطة الثنائية، والثنائية أكبر من الأحادية، وتنطلق الطاقة منه على مراحل حسب رابطة الفوسفات أيضًا، فعندما تتحول إلى أدينوزين ثنائي الفوسفات (A D P) تنطلق منه الكمية الأولى، وتنطلق الكمية الثانية عندما يتحول إلي أدينوزين أحادي الفوسفات (A M P)، ثم يرجع المركب مرة أخرى إلى صورتيه ـ بعدما تحمل ذرات الأكسجين فيه مزيدًا من الإلكترونات ـ مختزنًا بذلك كميات هائلة من الطاقة أثناء عملية الهدم، ليمد بها العمليات الحيوية في خلايا الجسم أثناء مرحلة البناء، وهكذا دواليك.
إن الجزيء الواحد من الجلوكوز عندما يدخل إلى فرن الاحتراق في الخلية Mitochondria ينتج 38 جزيئًا من مركب الأدينوزين ثلاثي الفوسفات.
وإذا علمنا أن الجزيء الواحد من هذا المركب يختزن طاقة من10 ـ 12 كيلو كالوري
فانظر كم يعطي جزيء الجلوكوز الواحد من الطاقة المختزنة؟ وهل تتخيل كم يعطي الجرام منه، أو عدة جرامات؟ إنها أرقام فلكية! وهذا يمثل فقط (40%) من الطاقة المتحررة من جزيء الجلوكوز الواحد، أما الباقي وهو(60%)، فتنطلق كحرارة تنظم درجة حرارة الجسم.
هذا بخلاف ما يعطيه الجرام منه من السعرات الحرارية ومقدارها 4,1 ك.ك
ويعتمد عدد جزيئات الأدينوزين ثلاثي الفوسفات الناتج من أكسدة الأحماض الدهنية على عدد ذرات الكربون في جزيء الحمض الدهني فالذي يحتوي على 6 ذرات كربون فقط ينتج 44 جزيئًا من مركب أدينوزين ثلاثي الفوسفات. والذي يحتوي منها على 16 ذرة ينتج 129 جزيئًا من أدينوزين ثلاثي الفوسفات، والذي إذا حول إلى وحدات الطاقة يبلغ ما يعطيه جزيء الحمض الدهني هذا 1290 كيلو كالوري. فكم يعطي الجرام من الدهن؟(8).
هذا بخلاف ما يعطيه الجرام منه من السعرات الحرارية ومقدارها 9,3 ك.ك

توازن الطاقة
لقد هيأ الله ـ سبحانه وتعالى ـ جميع الكائنات الحية بحيث تكون لها طاقة متوازنة مع بيئتها، تأخذ منها على قدر حاجتها، إلا الحيوانات المستأنسة، أو الحيوانات ذات البيات الشتوي أو الإنسان، والذي إن قلت كمية الطاقة التي يتناولها في طعامه عن الطاقة اللازمة لعملياته الحيوية ونشاطاته المختلفة، يكون توازن الطاقة لديه سلبيٌّا، ويحصل الجسم على ما ينقصه منها مما اختزنه من الجليكوجين، والبروتين، والدهون، وبالتالي ينقص وزنه، كما يحصل التخزين بتناول كمية من الطعام أكثر من الحاجة اللازمة، فيزيد الوزن تبعًا لذلك.
الأضرار الناتجة عن الإفراط في الطعام في الطب الحديث
السمنة (البدانة) وما يصاحبها من أمراض:
ترتبط السمنة بالإفراط في تناول الطعام خصوصًا الأطعمة الغنية بالدهون، وهي مشكلة واسعة الانتشار، وقد تقترن بزيادة خطر الأمراض القلبية الوعائية، مثل قصور القلب، والسكتة القلبية، ومرض الشريان التاجي، ومرض انسداد الشرايين المحيطة بالقلب، وارتفاع ضغط الدم، ومرض السكري، وارتفاع دهون الدم. ولا شك أن جلطة القلب لها علاقة بالسمنة وكذلك حصيات المرارة وداء النقرس وهو مرض مزمن يسبب نوبات من الآلام المفصلية، وينتج عن زيادة الحامض البولي في الدم، فينشأ عن ذلك ترسب هذا الحامض البولي على شكل بلورات من يورات الصوديوم حول المفاصل، ومن أهم أسبابه: الإفراط في تناول الأطعمة الغنية بالمواد البروتينية (كاللحوم والأسماك) والأطعمة الغنية بالنيكلوبروتين (كالمخ والمخيخ والكبد ولوزة العجل).

شكل (7): عضلة الحجاب الحاجز
عندما تنقبض أليافها العضلية يرتخي وسطها الوتري إلى أسفل
وهناك أمراض أخرى لها علاقة بالسمنة أيضًا مثل: دوالي الساقين، فتق المعدة، الإمساك، الالتهابات، بطء شفاء الجروح، والتهاب المفاصل التنكسي (7)
وتحــدث الســمنة نتيجة لاضطــراب العلاقة بين ثلاثة عناصر من الطاقة وهي: الكمية المستهلكة من الطعام، والطاقة المبذولة في النشاط والحركة، والطاقة المختزنة على هيئة دهون بصفــة أساسية، فالإفراط في تناول الطعام مع قلة الطاقة المبذولة في الحركة يؤدي إلى ظهور السمنة خصوصًا مع توفر وسائل الحياة المريحة.
إن الإنسان العادي يستهلك حوالي 20 طنٌّا من الطعام في فترة حياته، وحدوث نسبة 25% من الخطأ في توازن الطاقة يؤدي إلى زيادة في الوزن تبلغ 50كجم، وهذه الزيادة عند شخص بالغ يزن 70كجم تجعل وزنه 120كجم، وهذا من شأنه أن يبين مدى الدقة المطلوبة في تنظيم تناول الطعام للمحافظة على استقرار وزن الجسم.
ومن المعتقد أن السمنة تنجم إما عن خلل استقلابي (خلل في التمثيل الغذائي)، أو عن ضغوط بيئية، أو اجتماعية.
وقد تنجم البدانة أيضًا عن خلل في الغدد الصماء، أو عن أسباب نفسية واجتماعية متضافرة، تظهر على شكل إفراط في الأكل، وكثيرًا ما يتزامن حدوث الاضطرابات الاستقلابية، والضغوط البيئية، بحيث يكمل أحدهما الآخر فتتفاقم الحالة. وفي المقابل يرى كثير من العلماء أن الاضطراب النفسي الذي يفضي إلى الشراهة في تناول الطعام، والذي يتسبب في السمنة، قد يؤدي إلى ظهور اضطرابات في عملية الاستقلاب أو التمثيل الغذائي، وبالتالي فمن المتعذر تفسير الاضطرابات الرئيسة في توازن الطاقة ـ في حالة السمنة ـ بأنها عبارة عن التغير في أحد العناصر، ولكن يظل واضحًا تمامًا أن الإفراط في الأكل هو أحد العوامل الرئيسة في حدوث السمنة.

وهناك تغيرات كيميائية حيوية تصاحب السمنة:
أهمها تغير نمط استقلاب الدهون، إذ تزداد البروتينات الشحمية (نوع بيتا) في البلازما، والأحماض الدهنية الحرة، ويزداد تركيز الأنسولين في الدم زيادة كبيرة، مما يؤدي إلى تضخم البنكرياس، أو زيادة أنسجته، فيؤدي إلى زيادة إنتاج الأنسولين، والذي يتسبب في تكون الأحماض الدهنية في الكبد من المواد الكربوهيدراتية، وزيادة ترسب المواد الدهنية في الأنسجة الشحمية، وهذا يؤدي إلى ظهور أعراض مرض السكري، حيث تفقد مستقبلات الأنسولين الموجودة على الأنسجة الاستجابة للأنسولين (8).

ثالثًا: وجه الإعجاز في الحديث

1 ـ الإفراط في الطعام والشراب شر وخطر على صحة الإنسان:
لقد أشار النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ إلى هذه الحقيقة منذ أربعة عشر قرنًا من الزمان في عبارة بليغة موجزة هي: (مَا مَلأ آدَمِيٌّ وِعَاءً شَرٌّا مِنْ بَطْنٍ) وهكذا عرف هذا الشر بيقين في هذا العصر بظهور الأمراض الخطيرة المهلكة للإنسان الناتجة بسبب الإفراط في تناول الطعام، وذلك بعد تقدم وسائل الفحص والتشخيص الطبي الدقيق الذي أفضى لمعرفة حقيقة هذا الشر، وبينما كان علماء المسلمين يحذرون الناس من أخطار التخمة وكثرة الأكل عبر خمسة عشر قرنًا استنادًا لحديث نبيهم ـ صلى الله عليه وسلم ـ كان غيرهم يعتقدون أن كثرة الأكل مفيدة غير ضارة ويتسابقون في ملء البطون بالطعام والشراب؛ ففي إنجلترا يتحدث الطبيب (تشين) (1671 ـ 1743م) عن عقيدة البروتستانت في الإفراط في الطعام والشراب فيقول: (لست أدري ما عليه الأمر في البلدان الأخرى، ولكن نحن البروتستانت لا نعتبر الإفراط في تناول الطعام مؤذيًا ولا ضارٌّا، حتى إن الناس يحتقرون أصدقاءهم الذين لا يملؤون بطونهم عند كل وجبة طعام)، وبعد أن أدرك هذا الطبيب من بين جميع الأطباء المعاصرين له أخطار كثرة الأكل، حمل الأطباء المسؤولية في عدم إرشاد الناس لهذه الأخطار فقال: (والأطباء لا يدركون أنهم المسؤولون أمام المجتمع وأمام مرضاهم بل أمام الخالق، لأنهم يشجعون الناس على الإفراط في الطعام والشراب، ذلك لأنهم بهذا يعملون على تقصير آجال كثير من مرضاهم)(10).
ولم ينتبه علماء أوروبا إلى هذه الأخطار إلا في عصر النهضة، فأخذوا يطالبون الناس بالحد من الإفراط في تناول الطعام وترك الانغماس في الملذات والشراب. فهذا أحدهم (لودفيك كارنارو) من البندقية يحذر أمّته من هذه الأخطار، حيث كان مما قال:
(يا إيطاليا البائسة المسكينة! ألا ترين أن الشهوة تقود إلى موت مواطنيك أكثر من أي وباء منتشر أو حرب كاسحة؟)، (إن هذه المآدب المشينة والتي هي واسعة الانتشار اليوم، لها من النتائج الضارة ما يوازي أعنف المعارك الحربية)، (لذلك يجب علينا ألا نأكل إلا بقدر ما هو ضروري لتسيير أجسامنا بشكل مناسب)، (وإن أيــة زيــادة فيما نتنـاولــه من كميــات الطعام تعطينا سرورًا آنيٌّا.. ولكن علينا في النهاية أن ندفع نتائج ذلك مرضًا، بل موتًا في بعض الأحيان)(14).
ولعل اكتشاف أمراض السمنة وأخطارها المهلكة وعلاقة ذلك بالشراهة وكثرة الأكل، يجعلنا نزداد يقينًا بعظم القاعدة الذهبية في حفظ الصحة البشرية المتمثلة في ترشيد الأكل والشرب والتي أرشد إليها قول الله تعالى: }وَكُلُواْ وَاشْرَبُواْ وَلا تُسْرِفُوا{ (الأعراف31).
مَن الذي أنزل على رسولنا ـ عليه الصلاة والسلام ـ هذا العلم؟ إنه الله ـ جل في علاه.
2 ـ إقامة الصلب والحد الأدنى من الطعام
تختلف الحاجة للطعام من إنسان إلى آخر، حسب طبيعة عمله، ومن وقت إلى آخر عند الفرد ذاته، لكن هناك قدر مشترك من الحاجة إلى السعرات الحرارية يتساوى فيها بنو البشر جميعًا على وجه الإجمال، وهو المعدل الثابت من الطاقة التي يحتاجها الإنسان البالغ والتي تستخدم في حفظ العمليات الحيوية الأساسية داخل الجسم كتشغيل القلب والجهاز الدوري الدموي، والجهاز التنفسي، والهضمي، والبولي، والعصبي، وتسيير العمليات الضرورية لحفظ الحياة لنقل الأيونات عبر جدر الخلايا، والإشارات المختلفة عبر الخلايا العصبية، وسائر العمليات والتحولات الكيميائية في التمثيل الغذائي، وهي تبلغ حوالي 2000 كيلو كالوري من السعرات الحرارية وتختلف حاجة الناس لأزيد من هذا حسب طبيعة أعمالهم، فتزيد للدارسين والباحثين وكل العاملين في المجال الفكري حوالي 500كيلوكالوري عن المعدل الثابت، بينما يحتاج الذين يمارسون أعمالاً شاقة؛ كرفع الأثقال وعمال البناء والمناجم وقطع الخشب مثلاً إلى حوالي 3500 كيلو كالوري، إضافة للمعدل الثابت في اليوم.
وقد يشير الحديث إلى هذه الحقيقة فقد يكون ذكر اللقيمات لإقامة الصلب كناية عن هذا المعدل الثابت الذي يحتاجه الناس جميعًا، ويمكن أن يتحقق بالقليل من الطعام حيث تنطلق منه الطاقة على مرحلتين: الأولى: الطاقة المباشرة التي يعطيها الجرام من عناصره الغذائية، والثانية: ما يعطيه الجزيء منها من الطاقة المختزنة في مركبات الأدونيزين ثلاثي الفوسفات وأشباهه وهي طاقة هائلة كما بيّـنّا، وهذا يوضح الآن كيف خاض أولئك الرجال الأفذاذ من الصحابة الكرام ومن تبعهم الحروب والأهوال وكان زاد الواحد منهم حفنة من تمرات!
3 ـ ملء ثلثي حجم المعدة هو الحد الأقصى
كما يمكن أن تندرج الزيادة في الحاجة للطاقة عن المعدل الثابت في إشارة النص في قوله : (فإن كان ولا بد فاعلاً فثلثٌ لطعامه وثلثٌ لشرابه)، ويمكن أن تفهم هذه الزيادة من أول درجاتها إلى أعلى معدل لها والتي يحتاجها العاملون في الأعمال الشاقة ولا يتجاوز أعلى حجم للطعام والشراب ثلثي حجم المعدة.
إن تحديد امتلاء ثلثي المعدة للطعام والشراب لهو غاية في الإحكام وهو أقصى درجات الشبع عند المسلم بناء على هذا الحديث، فإن هذا الحجم عبارة عن لتر كامل من الغذاء المطحون مع الشراب، والذي يمكن أن يكون أحد مكونات الطعام فيه من الحساء أو يكون عصيرًا أو ماءً قراحًا، وهو ما يعادل على الجملة أربع كاسات ماء من الحجم الكبير، وتلك ـ رعاك الله ـ كمية هائلة من الطعام في الوجبة الواحدة، فعلى المسلم ألا يصل إلى تناول هذه الكمية إلا إذا كان عاملاً في الأعمال الشاقة أو عندما تغلبه نفسه أو يقع في مأزق يضطره إلى تناول هذا القدر، بل عليه الاقتصار على أقل من ذلك تطبيقًا لنصيحة النبي الكريم ـ عليه الصلاة والسلام ـ وعندما يطبق المسلم هذا الحديث بعناية فمع تحصيله الأجر العظيم لاتباعه سنة النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ فإنه يمارس أيضًا أقوى وأنجع برنامج في التوازن الغذائي والتخلص من الوزن الزائد وأمراض السمنة وأخطارها.
4 ـ التوازن الغذائي
تؤكد جميع الأوساط العلمية المهتمة بالغذاء وصحة الإنسان على ضرورة مراعاة التوازن الغذائي بين الطاقة المستهلكة، والطاقة التي يتناولها الإنسان من خلال الطعام وفي هذا الحديث إشارة واضحة لذلك. ويذكر العلماء أن الغذاء المتوازن يحتاج إلى قدر من المعلومات وحسن تخطيط(11)، والحديث يفيد ذلك كله بوضوح. والغذاء المتوازن لا يعتمد فقط على حجمه بل على نوعه، ويمكن تحديد كمية الطعام ونوعيته التي يحتاجها الفرد حسب نشاطه وعمله، بناء على المعلومات الآتية:
1 ـ لابد أن يحتوي الغذاء على عناصره الأساسية من الكربوهيدرات والبروتينات والدهون والفيتامينات والمعادن والماء.
2 ـ ينبغي أن تكون نسبة الكربوهيدرات في كمية الغذاء لليوم الواحد حوالي 60%، ونسبة البروتينات حوالي 15%، ونسبة الدهون حوالي 25%.
3 ـ تقسم كمية السعرات الحرارية اللازمة للشخص حسب طبيعة عمله من العناصر الثلاثة في الخطوة السابقة، على ما يعطيه كل جرام منها من السعرات الحرارية (إذ يمده الجرام الواحد من كل من الكربوهيدرات والبروتينات بـ 4,1 كيلو كالوري، ويمده الجرام من الدهون بـ 9,3 كيلو كالوري) وهكذا تحسب الكمية اللازمة بالضبط للفرد. وعليه يمكن التحكم في كميات الطعام التي نتناولها على علم وفهم، فإن كان الشخص يعاني من البدانة فليتناول كمية أقل منها ويسحب من مخزونه من الطاقة باقي الكمية اللازمة لإحتياجاته اليومية وبالتالي يمكن أن يتخلص الإنسان من السمنة بسهولة فبتطبيق هذا الحديث العظيم نتوقى الأخطار والمهالك مع تحقق المنفعة والفائدة لأجسامنا وأرواحنا.
5 ـ امتلاء المعدة بالطعام يؤثر على أجهزة الجسم
حينما تمتلئ المعدة تمامًا تضطرب مضخة التنفس ولا يصل كل الدم الوريدي غير المؤكسد إلى القلب بسهولة. وإذا لم تنقبض عضلة الحجاب الحاجز بالقدر المطلوب بسبب امتلاء المعدة سيؤدي ذلك بدوره إلى عدم قدرة الرئتين على التمدد الكامل؛ نظرًا لعدم إتمام اتساع القفص الصدري وبالتالي فلا يحصل تبعًا لذلك دخول الهواء بالحجم الطبيعي أو المدّي إلى الرئتين، وتتدخل عندئذ عضلات الطوارئ في إحداث تنفس عميق مما يؤدي إلى ضغط محتويات التجويف البطني لتفريغ مساحة لاتساع التجويف الصدري، وهذا بدوره يؤدي إلى شدة واضطراب يؤثر على جميع أجهزة الجسم المختلفة، أما إذا ترك ثلث المعدة أو أكثر منه فارغًا وهو ما يوازي حجمه حجم الهواء الطبيعي الداخل للرئتين (500 مل) فإنه بذلك يؤدي إلى تنفس انسيابي مريح وانصباب سهل للدم الوريدي للقلب وبهذا يظهر الأثر الضار لامتلاء المعدة على كل من الجهاز التنفسي والدوري عند الإنسان. كما أن امتلاء المعدة بالطعام يؤثر سلبًا على هضمه، حيث إن تمدد جدار المعدة يثبط نشاط عضلات هذا الجدار فيؤدي بدوره إلى تأخير وإعاقة الهضم(13).
6 ـ  ثلث المعدة يطابق تمامًا حجم هواء التنفس
بالنظر والمقارنة بين أقصى حجم للمعدة يمكن أن تصل إليه وهو حوالي اللتر ونصف اللتر، وبين الحجم المدِّي للنفس الطبيعي للإنسان (Tidal Volum)؛ والذي يبلغ في العادة حوالي500 ملليمتر من الهواء، يتبين لنا أن حجم الهواء الداخل إلى الرئتين يمثل ثلث حجم المعدة، وفي هذا إعجاز نبوي واضح حيث حدد النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ هذه القياسات في زمن لم تُتَح فيه هذه الأجهزة الدقيقة التي تقيس حجم الهواء الداخل إلى الرئتين، وتحدد أقصى حجم لتمدد المعدة، وقياس الضغط بداخلها.
فمن أخبر النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ بهذه الحقائق؟ ومن الذي أعلمه بفائدة مراعاة هذه القياسات الدقيقة التي لم تكن قد عرفت في عصره أو حتى في عصور متأخرة بعده؟
إنه الله القائل: {وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَى إِنْ هُوَ إِلا وَحْىٌ يُوحَى} (النجم 2 ـ 4).
الهوامش والمراجع
*     الكالوري معامل قياس ويعرف بأنه كمية الطاقة الحرارية اللازمة لرفع درجة حرارة جرام واحد من الماء درجة مئوية واحدة من 15 ـ 16 درجة مئوية، والوحدة الأكبر منه هو الكيلو كالوري ويساوي 1000 كالوري.
1 ـ صحيح الترمذي ـ كتاب الزهد ـ حديث رقم 2302.
2 ـ سنن ابن ماجه ـ كتاب الأطعمة ـ حديث رقم 3340.
3 ـ مسند أحمد ـ مسند الشاميين ـ حديث رقم 16556.
4 ـ الطب النبوي لابن القيم ص 12.
5 ـ الطب النبوي للذهبي. ص67 ـ 69.
6 ـ فتح الباري ج 9 ص 438.
7 ـ حسان شمسي باشا، قبسات من الطب النبوي ص 52 ـ 57.
8 ـ عبد الجواد الصاوي، الصيام معجزة علمية ـ الطبعة الثانية مطابع رابطة العالم الإسلامي، مكة المكرمة.
9 ـ كاثرين أنتوني وغاري ثيبودو تركيب جسم الإنسان ووظائفه.
10 ـ آلان كوت. الصوم الطبي النظام الغذائي الأمثل.
11 -Ross and Wilson (2001), Anatomy and Physiology, 9 Ed, Churchil livingstone.
12- Kathleen J W Wilson (1994), Anatomy and Physiology In Health and Illness,7Ed,EL BS with Churchil livingstone.
13 - Arthur C. Guyton(1991), Medical Physiology W. B. Saunders Company.
14 - Elaine N. Marib (1991) - Essentils Of Human Anatomy&Physiology.

خصائص المحيطات العميقة

| 0 التعليقات

قال الله تعالى: "أَوْ كَظُلُمَاتٍ فِي بَحْرٍ لُجِّيٍّ يَغْشَاهُ مَوْجٌ مِنْ فَوْقِهِ مَوْجٌ مِنْ فَوْقِهِ سَحَابٌ ظُلُمَاتٌ بَعْضُهَا فَوْقَ بَعْضٍ إِذَا أَخْرَجَ يَدَهُ لَمْ يَكَدْ يَرَاهَا وَمَنْ لَمْ يَجْعَلِ اللَّهُ لَهُ نُورًا فَمَا لَهُ مِنْ نُور"ٍ ﴿40﴾ سورة النور

الحقيقة العلمية:
تقول الموسوعة البريطانية: غالباً ما تكون البحار والمحيطات العميقة مغطاة بسحب ركامية كثيفة تحجب قدرا كبيراً من ضوء الشمس، كما يظهر في أكثر صور الأقمار الاصطناعية، فتعكس هذه الغيوم كمية كبيرة من أشعة الشمس وتحجب قدرا كبيراً من ضوئها، وأما الضوء الباقي فيعكس الماء قسماً منه، ويمتص القسم الآخر، الذي يتناقص تناقصاً رأسياً مع تزايد عمق المياه؛ فتنشأ مستويات من الظلمات داخل هذه البحار حتى عمق مائتي متر ويشتد الظلام بعد عمق 1000 متر حيث تنعدم الرؤية تماما. وقد كان"قرص سيتشي" (The Secchi disk) هو أول جهاز استخدم لقياس عمق نفاذ الضوء في مياه المحيط.
- استطاع العلماء مشاهدة الأسماك في البحار العميقة على عمق يتراوح بين (600 م – 2700 م) والتي تستخدم أعضاء مضيئة لترى في الظلام وتلتقط فريستها.
- كشفت علوم البحار الحديثة مع نهاية القرن التاسع عشر بعد استخدام الوسائل التصويرية التي تم تطويرها خلال الثلاثينات من القرن العشرين، حيث استعملت الخلايا الكهروضوئية التي كشفت عن وجود أمواج عاتية في البحار العميقة تقول الموسوعة البريطانية: وظاهرة الأمواج الداخلية الموجودة في أعماق البحار لم يعرفها الإنسان إلا قبل مائة سنة فقط، ، والتي تتولد على امتداد السطح الفاصل بين طبقتين من المياه المختلفة من حيث الكثافة والضغط والحرارة والمد والجزر وتأثير الرياح . ويتشكل السطح الفاصل بين الكثافات المختلفة عند منطقة الهبوط الحراري الرئيسي فيفصل مياه السطح الدافئة عن مياه الأعماق الباردة.
وهذه الأمواج التي تتشكل على هذا السطح الفاصل بين الطبقتين المائيتين المختلفتين في الكثافة والملوحة والحرارة، تشبه الموجات السطحية، ولكن لا يمكن أن تشاهد بسهولة من فوق سطح الماء، وتستهلك عملية تكونها جزءاً كبيراً من الطاقة التي كان يمكن استخدامها لدفع سفينة ما إلى الأمام. فنجد بعض السفن التي تبحر في هذه المياه تفقد فجأة قدرتها على التقدم، داخلةً فيما يعرف بظاهرة المياه الراكدة التي كان الفضل في تفسيرها ودراستها للدكتور السويدي فان إيكمان (V.W.Ekman) في أوائل القرن العشرين.

وجه الإعجاز:
لقد اعتقد الإنسان قديماً بخرافات عديدة عن البحار والمحيطات، ولم تتوفر للبحارة آنذاك معرفة علمية حقيقية عن الأحوال السائدة في أعماق البحار حيث كانت المعلومات عن التيارات البحرية نادرة.
وهذا ما حدا بالخرافات إلى الإحاطة بالبحار الراكدة التي لا يمكن أن تعبرها البواخر، حيث اعتقد الرومان القدماء بوجود أسماك مصاصة لها تأثيرات سحرية على إيقاف حركة السفن، ورغم أن القدماء كانوا على علم بأن الرياح تؤثر على الأمواج والتيارات السطحية إلا أنه كان من الصعوبة بمكان معرفة شيء عن حركة الأمواج الداخلية في البحار العميقة. ويبين تاريخ العلوم أن الدراسات المتصلة بعلوم البحار وأعماقها لم تبدأ إلا في بداية القرن العشرين عندما اخترعت الأجهزة المناسبة لمثل هذه الدراسات الدقيقة،وقد كشفت علوم البحار الحديثة في النصف الثاني من القرن العشرين عن أسرار مدهشة في أعماق البحار والمحيطات باكتشاف ظاهرتي: ظلمات البحر العميق وحركة الأمواج الداخلية. وقد أشارت الآية الكريمة إلى هاتين الظاهرتين:
فقد أشارت الآية الكريمة إلى ظاهرة الظلمات في البحار العميقة بتعبير البحر اللجي وهو البحر العميق وأن الظلام في هذه البحار ظلام متدرج قال المفسرون: المراد بهذه الظلمات ظلمة السحاب وظلمة الموج وظلمة البحر، فلا يبصر مَنْ كان في هذه الظلمات شيئاً". فالسحب الكثيفة التي تغطي هذه البحار تعكس قدرا من ضوء الشمس والبحار تعكس بأمواجها السطحية جزءا آخر من هذا الضوء ثم تمتص المياه ألوان طيف الشمس لونا بعد آخر حتى تختفي ألوان الطيف تماما ثم يأتي دور الأمواج الداخلية الذي يحيل الأعماق إلى ظلام دامس حتى إذا أخرج الإنسان يده لن يراها. وجاء تعبير ظلمات بعضها فوق بعض ليصف الواقع في هذه البحار يدقة بالغة. كما أن الأسماك في تلك الأعماق ليس لها عيون بل مجهزة بأعضاء منيرة خلقها الله تعالى في جسمها ينير طريقها. وهذا وجه قوله تعالى: {وَمَنْ لَمْ يَجْعَلْ اللَّهُ لَهُ نُورًا فَمَا لَهُ مِنْ نُورٍ}
وأشارت الآية أبضا إلى حركة الأمواج الداخلية في قوله تعالى: { فِي بَحْرٍ لُجِّيٍّ يَغْشَاهُ مَوْجٌ مِنْ فَوْقِهِ مَوْجٌ } والمعنى أن الموج يغشى البحر اللجي وهذا ما أكده علماء البحار حيث قالوا بأن البحر اللجي العميق يختلف عن البحر السطحي حيث تتكون في داخله أمواجا في منطقة الانفصال بين البحر السطحي والبحر العميق. تختلف عن الأمواج السطحية وهو ما لم يعرف إلا منذ مائة سنة فقط.
هذه الحقائق العلمية المدهشة ذكرها القرآن الكريم منذ أربعة عشر قرنا فمن أخبر محمدا صلى الله عليه وسلم بها؟ إنه الله جل في علاه.




أداء الصلاة وأثره في جلب الراحة

| 0 التعليقات

أداء الصلاة وأثره في جلب الراحة

سماء الفارسي

حدثنا مسدد حدثنا عيسى بن يوسف حدثنا مسعد بن كرام عن عمرو بن مرة عن سالم بن أبي الجعد قال مسعر ـ أظنه رجل من خزاعة: (ليتني صليت فاسترحت، فكأنهم عابوا عليه ذلك، فقال: سمعت رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ يقول: (يا بلال أقم الصلاة أرحنا به). معنى الحديث هنا أي نستريح بأدائها من شغل القلب بها، وقيل: كان اشتغال الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ بالصلاة راحة له، فكان يعد غيرها من الأعمال الدنيوية تعبًا، فكان يستريح بالصلاة لما فيها من مناجاة الله ـ تعالى ـ ولهذا قال: (وجُعِلَت قُرّةُ عيني في الصلاة) وما أقرب الراحة من قرة العين. وهذا ما أثبتته هذه الدراسة التي بين أيدينا.

ففي دراسة مقدمة من جامعة (توماس جفرسون، فيلادلفي) تفيد أن ممارسة رياضة اليوجا الكلاسيكية لها أثر في تقليل مستويات هرمون الإجهاد أو ما يعرف باسم كورتيسول.

تم في هذه الدراسة إخضاع عينة من 16 شخصًا في صحة جيدة للدراسة مدة 8 أيام.

ففي اليوم الأول تم قياس نسبة هرمون الكورتيسول لدى هؤلاء الأشخاص، ثم بعد ذلك ولمدة 7 أيام تم قياس نسبة الهرمون قبل وبعد جلسة من اليوجا استمرت لمدة 50 دقيقة. فكانت النتيجة أن 42 منها من بين 48 عينة أظهرت انخفاضًا في نسبة هرمون الكرتيسول في الدم بعد الجلسة، وكانت النسبة انخفاضًا أكثر عندما قورنت مع النتائج في اليوم الأول.

فهذه الدراسة تدعم الفكرة بأن ممارسة رياضة اليوجا تعمل على إحداث تغيرات في هرمون الأدرينالين في جسم الإنسان، حتى بين أولئك الذين لم يمارسوا تلك الرياضة من قبل، وهذا ما قاله الدكتور (برينارد) بروفيسور علم الأعصاب في كلية (توماس جفرسون) للطب والذي قام بدراسة مماثلة عام 1994.

ما هي اليوجا؟

هي رياضة عمرها يزيد عن 5000 سنة، ظهرت في شبه القارة الهندية، وهي تُعنى بالناحية الجسدية والروحية، وقد اجتذبت ما لا يقل عن 20 مليون إنسان من جميع أنحاء أوروبا وأمريكا.

واليوجا مجموعة حركات يقوم بها المتدرب يبدأ بها من وضع الوقوف الهادئ، وإجلاء الأفكار من الرأس وتصفية الذهن لفترة زمنية، ثم الانتقال إلى حركة أخرى ببطء، والاستقرار على الحركة مدة زمنية دون حراك، والانتقال بعدها إلى الوضع الأول وهكذا...

ويقوم بها الناس لتحقيق هدف معين، إما للإبقاء على صحة الجسم عامة، أو الاستشفاء من أمراض معينة، أو لتصفية الذهن، أو موازنة الجهاز العصبي وغيرها.

من هذا يتبين وجه شبه في هذه الرياضة وبين إقامة الصلاة عند المسلمين على وجهها الصحيح، فحديث النبي صلى الله عليه وسلم الذي يقول (أرحنا بها يا بلال) يحدث في نفس المسلم أكثر مما تحدث عنه هذه الدراسة بشرط أداء الصلاة بشروطها الصحية وتحقيق الطمأنينة والخشوع،

فنرى أن الحديث السابق له علاقة وطيدة بهذه الدراسة؛ حيث إن صلاة الرسول صلى الله عليه وسلم فيها الطمأنينة والخشوع.

وفي حديث المسيء صلاتَه تأكيد لذلك، وهو أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل المسجد، فدخل رجل فصلى، ثم جاء فسلم على النبي عليه الصلاة والسلام فرد عليه النبي السلام، فقال صلى الله عليه وسلم: (ارجع فَصَلِّ فإنك لم تُصَلِّ)، فصلى، ثم جاء فسلم على النبي عليه الصلاة والسلام، فرد عليه السلام وقال: (ارجع فصل فإنك لم تصل) ثلاثًا فقال: والذي بعثك بالحق ما أحسن غيره، فعلمني: قال صلى الله عليه وسلم:

(إذا قُمتَ إلى الصلاة فكبّر، ثم اقرأ ما تيسّر معك من القرآن، ثم اركع حتى تطمئن راكعًا، ثم ارفع حتى تعتدل قائمًا، ثم اسجد حتى تطمئن ساجدًا، ثم افعل ذلك في صلاتك كله) أخرجه البخاري.

فنلاحظ هنا أن كل حركة من حركات الصلاة تؤدَّى بطمأنينة وسكون، فالصلاة تجرد من الدنيا وارتقاء بالنفس إلى مناجاة الله تعالى.

فكان الرسول صلى الله عليه وسلم يصلي بالركعة الواحدة بالسورة من الطوال من سورة البقرة إلى سورة التوبة ومن ثم يركع في طمأنينة ويطوّل ركوعه، ثم يستوي قائمًا ويدعو كذلك في طمأنينة وخشوع فترة من الزمن، ثم يسجد بطمأنينة ويطوّل في السجود فيكثر الدعاء فتطول مدة السجود.

وهكذا نرى أن ممارسة حركات رياضة اليوجا يشبه إلى حد كبير حركات الصلاة، وأن توجيه الأفكار والبعد عن مشاغل الدنيا تشبه إلى حد ما الخشوع في الصلاة، والذي يتفوق عليها بجعل المؤمن مناجيًا لربه وأنه واقف بين يديه فيجعله أكثر أمنًا وطمأنينة وسكونًا.

والبحث السابق الذي أجري على ممارسي رياضة اليوجا يمكن أن يكون دليلاً على الفائدة المرجوة من الصلاة الإسلامية لما بينهما من قدر مشترك من الحركات والتأمل.

وتحتاج الصلاة الخاشعة إلى مزيد من الأبحاث العلمية على المصلين، لبيان فائدتها الدنيوية في تحقيق الراحة الجسدية والنفسية لهم.

وأصل الخشوع: السكون والطمأنينة والانخفاض، وفي الشرع خشية من الله تكون في القلب، فتظهر آثارها على الجوارح.

وقد عَدَّ الله من صفات الذين أعد لهم مغفرة وأجرًا عظيمًا في قوله في سورة الأحزاب:

(إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ)

إلى قوله: (وَالْخَاشِعِينَ وَالْخَاشِعَاتِ)

ثم ختم الآية بقوله: (أَعَدَّ اللَّهُ لَهُم مَّغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمً).

وقد بيّن الله أن الصلاة صعبة وشاقة على غير الخاشعين، وأنها وسيلة هينة على الخاشعين فقال تعالى:

(وَاسْتَعِينُواْ بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلاَّ عَلَى الْخَاشِعِينَ الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُم مُّلاَقُواْ رَبِّهِمْ وَأَنَّهُمْ إِلَيْهِ رَاجِعُونَ).

والخشوع خشوعان:

1- خشوع القلب بجمع الهمّة وحضور القلب، والتدبّر لما يجري على اللسان من القراءة والذكر، ولما تسمعه الأذن من قراءة إمامه.

2- وخشوع الجوارح بسكونها وعدم العبث والالتفات إلى غير مقصود الصلاة.

فمن أحسن في الموقف الذي بين يديه في الدنيا، بأن وقف خاشعًا، ذليلاً، مخلصًا، وَجِلاً، راغبًا راهبًا، متّبعًا لهدي رسول الله صلى الله عليه وسلم على أحسن حالة وهيئة.

كما أمره الله، سهل عليه الموقف الثاني بين يدي الله للحساب، فكان عليه سهلاً يسيرًا، ومن أساء في هذا الموقف الذي في الدنيا في صلاته، ولم يُقِمْها كما أمره الله، شُدّد عليه الموقف بين يدي الله للحساب، فكان عليه شديدًا عسيرًا، وما ذلك إلا لأن الصلاة مع الخشوع تزكّي صاحبها، وتهذّب نفسه، وتنهاه عن الفحشاء والمنكر، وتأمره بالخلق الكريم.

كما بيّن ذلك الله تعالى ومن لم تنهه صلاته عن الفحشاء والمنكر فإنه لا يزداد بها من الله إلا بُعدًا، ذلك أن الخشوع في الصلاة إنما يحصل لمن فرّغ قلبه لها، واشتغل بها عما عداها، وآثرها على غيرها، فحينئذ تكون راحة له، وقرّة عين كما بيّن النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الذي رواه الإمام أحمد والنسائي عن أنس رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (حُبِّبَ إليَّ الطيب والنساء، وجُعلت قرّة عيني في الصلاة) وقال النبي صلى الله عليه وسلم لبلال: (يا بلال أرحنا بالصلاة).

ومن لوازم الخشوع في الصلاة الطمأنينة فيها وعدم العجلة والسرعة، ومن أجل هذا علّق الله سبحانه وتعالى الفلاح بخشوع المصلي في صلاته، ويستحيل حصول الخشوع مع العجلة والنقر في الصلاة، بل لا يحصل الخشوع إلا مع الطمأنينة، وكلما زاد المصلي طمأنينة زاد خشوعًا، وكلما قَلَّ خشوعه اشتدت عجلته حتى تصير حركات بدنه بمنزلة العبث الذي لا يصحبه خشوع، ولا إقبال على العبادة، ولا معرفة لحقيقة العبودية.

وعلى المصلي حينئذ أن يتذكر وقوفه بين يدي الله تعالى يوم القيامة للحساب.

ومن ذلك عدم التفات القلب إلى الشواغل والهواجس بقدر المستطاع، وعدم التفات الوجه إلى اليمين أو الشمال، وفي صحيح البخاري عن عائشة رضي الله عنها أنها سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الالتفات في الصلاة.

قال: (هو اختلاس يختلسه الشيطان من صلاة العبد).

وفي حديث أبي ذر رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (لا يزال الله مقبلاً على العبد في صلاته ما لم يلتفت، فإذا التفت انصرف الله عنه).

وفي حديث أبي هريرة رضي الله عنه: (إذا صلى أحدكم فلا يلتفت، فإنه يناجي ربه، إن ربه أمامه، وإنه يناجيه، فلا يلتفت). ولا تنس أيها المسلم ما في الركوع والسجود من تعظيم الله تعالى قولاً وفعلاً، كقولك في الركوع: سبحان ربي العظيم، وفي السجود: سبحان ربي الأعلى، فليكن قلبك مع لسانك، فتذكر الله بقلبك ولسانك وجوارحك، إذ تنحني لله تعالى في الركوع، وتضع أشرف أعضاء بدنك وهو الوجه على الأرض لله تعالى في السجود، فكن حاضر القلب في هذه الأعمال، فالله تعالى لا يقبل إلا من قلب مقبل منيب، لا من ساهٍ لاهٍ غافلٍ، وفقنا الله لسلوك صراطه المستقيم، وثبتنا عليه حتى يأتينا اليقين، إنه على كل شيء قدير.

وبهذا يتحقق قوله تعالى:

(وَأَقِمِ الصَّلاةَ إنَّ الصَّلاةَ تَنْهَى عَنِ الفَحْشَآءِ وَالْمُنكَرِ). إن الصلاة وخصوصًا صلاة قيام الليل التي تطول فيها فترة القيام والركوع والسجود والجلوس وما فيها من نقاء وصفاء ذهني في الليل الهادئ يتحقق بها فائدة أكثر من هذه الدراسة، فالمسلم يجد ذلك عندما يصحو صباحًا بعد قيام الليلة السابقة فيشعر بالراحة النفسية والبدنية وكله نشاط لاستقبال يوم جديد، فلا عجب في ذلك وقد انخفض مستوى هرمون الإجهاد في جسمه، وتخلص من جميع آثار التوتر وما أصابه في اليوم السابق من هموم الدنيا.

وهذا إن دل على شيء فإنما يدل على أن محمدًا رسول الله، قال تعالى: (وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَى إِنْ هُوَ إِلاَّ وَحْىٌ يُوحَى)..

فكيف علم النبي الأمي حقيقة هذه الراحة، ولم يعلم أحد في ذاك الزمان بوجود هرمون الإجهاد في جسم الإنسان؟.

المراجع

1. اللؤلؤ والمرجان فيما اتفق عليه الشيخان كتاب الصلاة (11 16) باب رقم 224 ص81.

2. عون المعبود شرح سنن أبي داود.

3. كتاب الإيضاح والتبيين لبعض صفات المؤمنين للشيخ عبدالعزيز بن عبدالله الراجحي.

4. صحيح البخاري.