وينزل من السماء من جبال فيها من برد

السبت، 28 يناير 2017 | 0 التعليقات






يقول سبحانه وتعالى : ( أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يُزْجِي سَحَابًا ثُمَّ يُؤَلِّفُ بَيْنَهُ ثُمَّ يَجْعَلُهُ رُكَامًا فَتَرَى الْوَدْقَ يَخْرُجُ مِنْ خِلَالِهِ وَيُنَزِّلُ مِنَ السَّمَاءِ مِنْ جِبَالٍ فِيهَا مِنْ بَرَدٍ فَيُصِيبُ بِهِ مَنْ يَشَاءُ وَيَصْرِفُهُ عَنْ مَنْ يَشَاءُ يَكَادُ سَنَا بَرْقِهِ يَذْهَبُ بِالْأَبْصَارِ)

إن أحد أهم أوجه الإعجاز في القرآن الكريم هو الوصف العلمي الدقيق للظواهر الطبيعية في هذا الكون والذي جاء متوافقا مع ما تم اكتشافه من حقائق علمية في هذا العصر. إن هذا التطابق بين ما جاء به القرآن الكريم وما اكتشفه العلماء من حقائق علمية ينفي نفيا قاطعا أن يكون هذا القرآن من تأليف البشر بل هو منزل من لدن عليم خبير سبحانه وتعالى. وفي هذه المقالة سنشرح كيف أن القرآن الكريم قد أكد على أن البرد (Hail) لا يتكون إلا في داخل نوع واحد من السحب تسمى المزن الركامية (cumulonimbus) لها امتدادات في السماء تظهر لمن يراها من بعيد أو من أعلاها كأنها الجبال وهو ماأظهرته الصور التي تم التقاطها من الطائرات والأقمار الصناعية. ولقد جاء العلم الحديث بعد مرور أربعة عشر قرنا ليصف هذا النوع من الغيوم بنفس الوصف الذي وصفه القرآن الكريم ففي معجم الطقس (Weather Glossary) جاء تعريف المزن الركامية على النحو التالي ( توصف سحب المزن الركاميةة بتطور عمودي قوي على شكل جبال أو أبراج ضخمة تنتهي على الأقل جزيئا بسندان مسطح وأملس وربما منفوش وتعرف أيضاا بالعامية المقدمة الرعدية (العاصفة الرعدية) ) (CB (strictly Cb)Abbreviation for cumulonimbus, Cumulonimbus cloud, characterized by strong vertical development in the form of mountains or huge tower stopped at least partially by a smooth, flat, often fibrous anvil. Also known colloquially as a "thunderhead).

واليكم بعض الصور للسحب 





















أســماك ترصـد الـزلازل؟!

الأربعاء، 25 يناير 2017 | 0 التعليقات



جمال بن فضل محمد الحوشبي







قال الله تعالى: (أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَسْجُدُ لَهُ مَن فِى السَّمَاوَاتِ وَمَن فِى الأَرْضِ وَالشَّمْسُ وَالقَمَرُ وَالنُّجُومُ وَالْجِبَالُ وَالشَّجَرُ وَالدَّوَآبُّ وَكَثِيرٌ مّنَ النَّاسِ وَكَثِيرٌ حَقَّ عَلَيْهِ الْعَذَابُ وَمَن يُهِنِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِن مُّكْرِمٍ إِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يَشَآءُ)الحج: 18، إنه ذلك المشهد المهيب الذي تقف فيه العوالم كلها علويها وسفليها ساجدة لله تعالى، خاضعة له، مسبحة بحمده، منقادة إليه سبحانه ويقف الإنسان، هذا المخلوق الضعيف شاذٌّا في ناموس الكون العظيم كيف لا يسجد العبد لربه وقد سبح لله الحجر والمدر والرمال، والدواب، والشجر، والليل والنهار، والظلمات والأنوار، والجنة والنار، والزمان والمكان، والعنصر والأركان، والأرواح والأجسام؟؟(سَبَّحَ لِلَّهِ مَا فِى السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ).

ولله في كل مخلوقاته دليل على وحدانيته وكمالاته سبحانه ومن ذلك التأمل في سلوك الحيوانات وغرائزها العجيبة التي تبعث على الدهشة والانبهار، وتوقظ العقل من غفلته ليتأمل قدرة الله ـ تعالى ـ في هذا العالم البديع ومما يبعث على الدهشة أن يجد الباحث انحرافًا خطيرًا في التفسيرات المادية لهذه الغرائز الباهرة التي أودعها الله تعالى في هذه المخلوقات المسبحة له، الساجدة بين يديه، إلا أن يكون تفسيرًا ملحدًا يغطي حقائق الوجود، ويأبى الخضوع لباعث الفطرة، وشاهد الكون العظيم.

وفي هذا المقال نتجوّل في سياحة إيمانية داخل هذا العالم البديع لنستخرج دلائل الوحدانية المشرقة في سلوك هذه الكائنات وغرائزها العجيبة.

في مساء السادس من أيار لعام 1976م وفي مدينة (فريولي) الإيطالية ارتفعت أصوات الحيوانات فجأة ودونما سبب ظاهر؛ الكلاب تنبح وتجري هنا وهناك، القطط مذعورة، الفئران تملأ الأزقة، الجياد والأبقار هائجة وعصبية، ويحاول أكثرها أن يسحب أربطته الطيور تسعى ضاربة بأجنحتها ومطلقة صرخات تبدي منها الفزع، وكأن شيئًا ما يستثير هذه الحيوانات ويدفعها لهذا التصرف العجيب لم يصدق سكان المنطقة ما رأوه بأعينهم، وصار ذلك محور حديثهم تلك الليلة وتمضي الساعات بطيئة، وما إن حلّت الساعة التاسعة من تلك الليلة حتى شعر السكان بالأرض تميد من تحت أقدامهم، وما هي إلا ثوان معدودات حتى ضرب زلزال عظيم المنطقة مخلّفًا وراءه ما يزيد على ألف قتيل من السكان !.

وحادثة أخرى مماثلة في (سان فرناندو) حيث اطّلع المحللون على تقرير سبق الكارثة هناك وفيه: (جيوش من الجرذان تملأ شوراع بلدة (سان فرناندو) ـ بالقرب من لوس أنجلوس الأمريكية ـ مع أن الناس كانوا يفترضون أنّ بلدتهم تخلو تمامًا من الجرذان وفي اليوم التالي تصيب هزة عنيفة وادي (سان فرناندو) وتؤدي إلى كارثة بيئية.

لقد أثارت هذه الحوادث وأمثالها اهتمام ودراسة عدد من العلماء، خاصة وأنها تتكرر بين فترة وأخرى، لقد أصبح الأمر جليٌّا واضحًا في حتمية وجود غرائز خفية للحيوانات تزوّدها بنوع استشعار لا يدركه البشر بحواسهم المحدودة وأجهزتهم المعقدة الحديثة.

من أولئك العلماء الذي اهتموا بهذه الظاهرة (هلموت تريبوش) الأستاذ بجامعة برلين الذي قام باستثارة الاهتمام بهذا الموضوع قديمًا ـ في عام 1976م ـ وأخذ يجمع ما تناثر هنا وهناك من أحداث مماثلة وقعت عبر التاريخ، وما سبق بعض الكوارث الزلزالية ـ أمثال زلزال (هيليس) اليونانية، وزلزال (لشبونة) المدمّر ـ من ردود فعل (غريزية) للحيوانات تشبه إلى حد كبير ما حدث قبيل كوارث معاصرة ومماثلة كزلزال مصر الأخير ـ 1992م ـ عندما اضطربت الحيوانات في حديقة الحيوان بالجيزة قبل عشرين دقيقة من الزلزال المدمّر، وما شابه تلك الحالات في (سان فرانسيسكو) وغيرها.

بعد ذلك بقليل ـ وبالتحديد في عام 1977م ـ عقد في الولايات المتحدة الأمريكية مؤتمر علمي اشترك فيه عدد من العلماء من مختلف التخصصات وأهمها علوم الأرض والحياة، لدراسة إمكانية استخدام الحشرات والحيوانات في التنبؤ عن قرب وقوع الزلازل! وقد تمّ رصد الحالات التي سجّلت أثناء المتابعة فلم يحدث أن سجلت حالة واحدة لم يصدق فيها إنذار تلك الحيوانات عبر تصرفها الملحوظ قبل الكارثة، وبالفعل أقيمت أول مستعمرة من نوعها في التاريخ تضم العديد من الحيوانات والحشرات، والهدف الذي أنشئت من أجله هو دراسة تصرف هذه الحيوانات وردود أفعالها كإشارات لكوارث قريبة قادمة !

لقد بات اليابانيون يدركون ـ بعد تعرّض اليابان للعديد من الهزات الأرضية ـ أن تصرف (سمك الزينة) يفوق في هذا المجال أكثر آلات الرصد دقة، فقبل وقوع الزلزال بساعات يصاب هذا النوع من الأسماك بحالات غريبة من اضطراب في السلوك وذعر، ثم تأخذ بالدوران والاندفاع داخل أحواضها اندفاعًا جنونيٌّا !!

وكلما قرأت عن هذه الحقائق العلمية الواضحة وغيرها أظل أتفكر مليٌّا فيما سطرته كتب سلفنا الصالح حول هذا الأمر أو رووه من أحاديث ومشاهدات، ومن ذلك ما ورد في صحيح البخاري ـ مثلاً ـ عن عائشة ـ رضي الله عنها ـ حين قالت: (دخلَتْ عليَّ عجوزان من عُجُز يهود المدينة، فقالتا لي: إن أهل القبور يعذبون في قبورهم! فكذّبتهما ولم أنعم أن أصدقهما، فخرجتا، ودخل عليّ النبيّ ـ صلى الله عليه وسلم ـ فقلت: يا رسول الله، إن عجوزين....، وذكرت له الخبر، فقال: (صدقتا، إنهم يعذّبون عذابًا تسمعه البهائم كلها)، فما رأيته بعدُ في صلاة إلا يتعوذ من عذاب القبر(1).

وكم قرأنا عن حوادث عجيبة تحكي جفول بعض الحيوانات عندما تجاوز بعض القبور التي يعذب أصحابها، تمامًا كما كان يشاهد من تصرفاتها قبل وقوع مثل هذه الكوارث البيئية.

وفي السياق ذاته تطالعنا حادثة نادرة من أعجب ما كتب في هذا الباب، وتحكى قصة اضطراب فرس عربي أصيل كان يملكه الصحابي الجليل أسيد بن الحضير ـ رضي الله عنه ـ حدث ذلك ذات ليلة صافية من ليالي المدينة النبوية ـ حرسها الله ـ لقد كان أسيد ـ رضي الله عنه ـ في تلك الليلة يقرأ القرآن خارج بيته ـ كعادته ـ بصوت ندي خاشع، وكان بقربه ابنه الصغير يحيى نائمًا، لكن العجيب في تلك الليلة بالذات أنه لاحظ تصرفًا عجيبًا للفرس، إذ كلما قرأ القرآن جالت فرسه وتحركت واضطربت، فإذا سكت سكنت، ثم إذا أعاد القراءة اضطربت أشد من الأولى، وهكذا حتى تكرر ذلك منه ومن الفرس ثلاث مرات، يقول ـ رضي الله عنه: فانصرفت عن القراءة مشفقًا على ابني يحيى أن تصيبه الفرس، فلما قرّبته مني رفعت رأسي إلى السماء فإذا أنا بمثل الظُّلَّة البيضاء فيها أمثال المصابيح عرجت إلى السماء حتى توارت عني، لقد اكتشف أن اقتراب تلك الظُّلة البيضاء بلا شك كان السبب في اضطراب الفرس وتحركها، فلما أخبر رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ عما حدث له البارحة قال له ـ صلى الله عليه وسلم: (أو تـدري ما ذاك؟) قال: لا، قال: (تلك الملائكة دنت لصوتك) الحديث(2).

بل لقد صرّح ـ صلى الله عليه وسلم ـ في حديث آخر أن لدى بعض الحيوانات مقدرة خارقة على رؤية ما لا يستطيع البشر رؤيته بحواسهم حيث قال ـ صلى الله عليه وسلم: (إذا سمعتم أصوات الديكة فسلوا الله من فضله فإنها رأت مَلَكًا، وإذا سمعتم نهيق الحمير فتعوّذوا بالله من الشيطان، فإنها رأت شيطانًا)(3).

إن هذه التصرفات ـ بلا شك ـ تنم عن وجود غرائز كامنة مركّبة في هذه الحيوانات، وهي التي تدفعها إلى استشعار ما قد يعجز البشر عن إدراكه بحواسهم الضعيفة، ولقد تباينت آراء العلماء المتخصصين عند دراسة أمثال هذه السلوكيات والغرائز التي تنم عن قدرات (خارقة)!! فهناك رأي مفاده أن هذا السلوك يعود إلى التقلبات في الحقول المغناطيسية، ووجود استجابة قوية عند بعض الحيوانات في هذا المجال، ولكن ثبت بالمشاهدة والمتابعة المستمرة عدم استقرار هذا العامل كمعيار ثابت يمكن أن تفسر به سلوكيات بعض الحيوانات في ظروف مماثلة، كما حدث ـ مثلاً ـ داخل عربات قطار في محطة للشحن بإيطاليا، كانت هذه العربات مصنوعة من صفائح فولاذية رقيقة يوجد بداخلها حيوانات محتجزة، ومع ذلك لم يؤثر ذلك على مقدرتها بالرغم من كون المكان محكمًا ومعزولاً ضد التقلبات المغناطيسية والموجات الكهربائية.

ويُرجِعُ البعض الآخر هذه الغريزة إلى قوة خارقة في حاسة السمع لدى هذه الحيوانات والحشرات، بحيث تسمع التحركات ـ التي تسبق الزلزال ـ في باطن الأرض، ويرجّح البعض نظرية الحساسية المفرطة لدى هذه الحيوانات لمعرفة التغيير الذي يحدث على الصخور قبل الزلزال.

بينما يفضل البعض ـ ببساطة ـ أن ينسب هذه التصرفات الذكية الخارقة إلى (الغريزة العمياء)!! كما ذكر بعضهم صراحة في مجلة عربية سيّارة أثناء حديثه عن هذه الغريزة الباهرة لدى الحيوانات؛ حيث قال: (الغريزة فعالية عمياء)؛ لأنها تقوم بعملها (دون أن يكون لفاعليتها أي غرض أو هدف)؟! وكثيرًا ما يعلّق ـ بعد سرد شواهد حية في الموضوع ـ بقوله: (لاشك بأن هذه الغرائز عمياء، وهي قوى توجّه سلوك هذه الحيوانات)! وهذا يتطلب من القارئ البصير وقفة متأملة ناقدة لدحض مثل هذا التفسير الذي يفضل صاحبه الهروب من الحقائق الثابتة بمثل هذا الكلام بدلاً من التأمل فيها، وإدراك سر عظيم من أسرار الوجود حوله تزيده إيمانًا وثباتًا، والدليل على ذلك أن هذه السلوكيات الغريزية وأمثالها غير قاصرة عند حد استشعار الزلازل ونحوها من الكوارث البيئية فحسب، بل تتجاوزها إلى سلوكيات أخرى فذة وغريبة لا تتصل البتة بالظروف البيئية أحيانًا!

أما دعوى (العشوائية) و(العمى) الذي لا هدف من ورائه، ولا محرك له في وصف هذه الغرائز فإنها دعوى يردها النظر البسيط في روعة مثل تلك التصرفات السلوكية التي تقوم بها تلك الكائنات، ولو تأمل فقط في طريقة بناء الطائر الصغير لعشه الرائع لتساءل طويلاً عن القوة المحركة لهذه الغريزة الواعية! فمن الذي علّم هذا الطير ذلك الفن الرفيع؟ ولماذا تتشابه جميع الأعشاش التي تبنيها الطيور من هذا النوع؟ إذا قلت: إنها الغريزة ـ المجردة ـ فإن ذلك قد يُعَدّ مخرجًا من السؤال، غير أنها في الواقع تعد إجابة مريحة، ولكن قاصرة، فما هي هذه الغرائز؟ ومن محركها الحقيقي؟ وما هي ماهيتها، ومعالمها؟ أفليس من المنطق، ومن الإنصاف أن نرى آثار قدرة الله ـ تعالى ـ تتجلّى في سلوكيات هذه الكائنات التي خلقها فسوَّاها وفقًا لقوانين وسنن خاصة لا نكاد ندرك من كنهها شيئًا؟

إنه الله القدير الذي تظهر آثار قدرته، ومعالم حكمته، ومظاهر رحمته من حولنا، إنه الله الذي خلق الكون وحفظه، وليس ذلك فحسب، بل هو الذي سخره لهذا المخلوق البشري الذي كرمه من بين سائر المخلوقات ، أفليس هذا الجواب المريح إذن أَوْلَى وأحرى بهذا الإنسان الجاحد؟ إن ذلك هو ما توصل إليه كثير من العلماء المتخصصين في سلوكيات الكائنات الحية، ممن آمنوا بالله العظيم ـ سبحانه ـ من خلال هذا النظر المجرد الذي يوقد شعلة الإيمان ويحرك كوامن الفطرة في نفوسهم، إذا كان هذا الإيمان العميق بالله ـ سبحانه ـ يتولد في أعماق هؤلاء العلماء الماديين من جرّاء تتبع السلوك العجيب لهذا الطائر الصغير، بل من خلال دراسة سلوك واحد متواضع من سلوكياته ألا وهو طريقته في بناء عشه التي لا تكاد تختلف من طائر إلى آخر من النوع ذاته، بل قد يؤخذ هذا الطائر صغيرًا من عشه، لا يدرك شيئًا مما يحيط به، ثم عندما يعزل تمامًا عن كل المؤثرات البيئية المحيطة ويكبر يصنع لنفسه عشٌّا على نمط نوعه تمامًا!! فأي قدرة عليمة تكمن خلف تلك الغرائز الواعية؟! إذا كان هذا الإيمان العميق بالله الخالق العليم ـ سبحانه ـ يشرق في قلوبنا من خلال التأمل في هذا السلوك العجيب من هذا الطائر الصغير، فدعونا إذن نقوم بجولة إيمانية أكثر إثارة، نتأمل فيها آثار قدرة ربنا ـ سبحانه ـ عبر النظر في سلوكيات الكائنات الحية من حولنا، عسى أن نتأدب معه ونحن نفسر هذه الغرائز الحيوانية الواعية مرة أخرى.

لقد زوّد الخالق الحكيم ـ سبحانه ـ هذه الكائنات بمثل تلك الغرائز بطريقة تبعث على الدهشة والإعجاب معًا، حتى إنك لتنظر في تصرّف العنكبوت مثلاً وهو يقيم عملاً هندسيٌّا يحار العقل في فهم خطواته، ثم تتعجب بعد ذلك من متانته وصموده بالرغم من رقته وخفته!! إن هذه الحشرة الصغيرة تنسج خيوطها بصورة تختلف كل مرة مع الوضع الذي تجد نفسها فيه، وبيوتها مصنوعة بدقة متناهية تأخذ بالألباب، ذلك أنها تتقيد بالمسافات البينية، وتراعي انفراج الزوايا في شكل هندسي رائع عبر نسيج من الحرير يبلغ قطره ثلاثة أعشار الميكرون(4)، وهو أدق وأرق وأخف وأمتن من حرير دودة القز، ويخرج من مغازل العنكبوت التي فيها عدد كبير من الأنابيب الغازلة قد يصل في بعض العناكب إلى ألف أنبوب؟! ونظرًا لأنه أدق خيط عرف في تاريخ البشرية فإنه يُعَدّ حاليٌّا للاستخدام في صنع الأجهزة البصرية وخياطة جراحاتها.

وتضرب لنا أسراب الطيور المهاجرة مثالاً فريدًا آخر لا يقل بهجة وروعة عن ذكاء تلك الغرائز التي ركبها الله ـ تعالى ـ في هذه الطيور، ذلك أنها تبدأ في هجرتها الجماعية عندما تستشعر اقتراب موسم البرد ـ وبخاصة طائر السنونو ـ فتبدأ هذه الطيور رحلتها الطويلة من البلاد الباردة إلى البلاد الحارة على هيئة أسراب جماعية تحلّق معًا في السماء، وقد تقطع في غالب الأحيان نحو ألف ميل فوق عرض البحار، ولكنها مع ذلك لا تضلّ طريقها أبدًا مهما كانت قسوة الظروف الجوية، بل إن طائر السنونو يحركه شعور خفي بضرورة هذه الهجرة، ويلازمه ذلك الشعور حتى عندما يُحبَس في مكان دافئ في موسم هجرته المعتاد، وكأن هناك دافعًا من الداخل يشعره باقتراب موسم البرد.

وهناك لغز أعجب من هذا حيّر العلماء طويلاً هو ما يتكرر سنويٌّا مع ثعابين الماء التي تسلك طريق هجرتها الطويل عند اكتمال نموها واقتراب موسم التزاوج، فتراها في وقت محدد من العام تتجمّع من مختلف البرك والأنهار لتهاجر معًا قاطعة آلاف الأميال في المحيط قاصدة إلى الأعماق السحيقة، وهناك تبيض ثم تموت!! ولا يزال هذا اللغز يدور في أذهان المهتمين بهذه الظاهرة، إذ ما هو المحرّك لها في سلوك هذا التصرف الغريب الذي يدفعها جميعًا ـ في وقت واحد ـ لتموت في مكان ناءٍ عن موطنها الأصلي، بعد أن تضع بيضها؟! ولم يعثر على جواب يفسّر هذه الظاهرة حتى الآن.

وتتجلى الحكمة والقدرة العظيمة ـ لكن بوضوح أكثر وبصورة مدهشة لا يدرك كنهها العقل البشري القاصر ـ في سلوك الصغار فيما بعد؛ ذلك أن هذه الصغار ـ بعد أن تخرج من البيض ـ لا تملك أي وسيلة لتعرف بها أي شيء من حولها سوى أن تعود أدراجها، وتسلك الطريق نفسه الذي جاءت منه أمهاتها، فتقاوم في سبيل ذلك التيارات القوية والأمواج العاتية المتلاطمة وتقطع كل هذه المسافات الطويلة التي تعجز عن تحملها أجسامها الصغيرة، ثم تتوزع إلى كل نهر أو بحيرة أو بركة صغيرة في موطنها الأصلي، ولهذا يظل كل جزء من الماء آهلاً بثعابين البحار!!

فمن أودع فيها تلك الرغبة والعزيمة، ومن هداها لسلوك هذا الطريق الطويل حتى تعود إلى بيئتها الأصلية؟ إن الغرائز (العمياء) بذاتها تعجز عن هذا السلوك الباهر بلا ريب.

ولك أن تتفكر في خصيصة أخرى تتميز بها تلك السلوكيات الغريزية لدى هذه الكائنات؛ ألا وهو (التوقيت الزمني) العجيب الذي يحكم سلوكياتها الرائعة، إنه أمر باهر حقٌّا يدعو للنظر والتأمل، فلو نظرت إلى الطيور المهاجرة بأسرابها الكثيرة لأدركت أن لها وقتًا محددًا من العام للطيران إلى وجهتها المحددة مسبقًا إلى الشمال أو إلى الجنوب، وكل فرد منها عندما تحين ساعة الهجرة ينضمّ إلى سربه، ثم تهاجر جميعًا في يوم واحد يكاد أن يكون معيَّنًا كل سنة!

بل إن دقة هذا التوقيت وروعته تبدو جليٌّا في حياة الجراد؛ وهو أمر أعجب يحار منه العقل في إدراك تلك الدقة المتناهية التي تبدو لأول وهلة وكأنها ضرب من الخيال إذ لا يكاد موعد خروج الصغار من البيض ـ بعد سنوات طويلة من الظلمة في جوف الأرض ـ يتقدم أو يتأخر!.

وقد قرأت أنه وجد في ولاية إنجلاند الأمريكية ـ وبعد دراسة لموسم التكاثر عند الجراد ـ أن الجراد البالغ من العمر سبع عشرة سنة يغادر شقوقه تحت الأرض ـ حيث عاش في ظلام دامس مع تغير طفيف في درجة الحرارة ـ ويظهر فجأة بالملايين في شهر مايو من سنته السابعة عشرة، وقد يتخلف بعض المتعثر عن رفاقه ـ بطبيعة الحال ـ ولكن الكثرة الساحقة تنضج بعد سنوات الظلام تلك، وتضبط موعد ظهورها باليوم تقريبًا دون سابقة ترشدها!

وليس هذا هو كل ما يتعلق بذلك التوقيت الدقيق الذي يُسَيِّر تلك الغرائز، بل إن هناك سلوكيات متكررة ـ قد لا تدرك بمجرد النظر العابر ـ بينما تكمن من ورائها معادلات ثابتة لا تتغير باستمرار، ولعل أروع مثال لذلك السلوك الغريزي يتمثل في تصرف نوع من صرَّار الليل الذي يصر عدة مرات في الدقيقة الواحدة تختلف دائمًا باختلاف درجة الحرارة المحيطة!! ولما أُحصيَت مرّات صريرها وجد أن هناك سرٌّا مذهلاً يكمن وراء ذلك الاختلاف في مرّات الصرير، ذلك أنها تسجل درجة الحرارة بالضبط مع فارق درجتين فقط!! ومع تكرار المتابعة والرصد كانت النتيجة التي تم التوصل إليها ثابتة دائمًا على مدار ثمانية عشر يومًا!! إنها قدرة الله ـ تعالى ـ تظهر لكل من تأمل وتفكر في الكون من حوله.

وإذا جاوزنا هذا السر العظيم من أسرار التوقيت الزمني لدى تلك الكائنات وتأملنا في طرائق الاتصال والالتقاء بين كثير من الحيوانات والحشرات لوجدنا نظامًا دقيقًا آخر يحكم تلك السلوكيات الغريزية التي لا تختلف بحال من الأحوال، ويعجز البشر عن مشاهدتها فضلاً عن وصفها وتحليلها.

إن أظهر لغة للتفاهم بين بني البشر ـ كما نعلم ـ هي لغة الكلام التي لا بد من تعلّمها منذ الصغر ليسهل التفاهم ويحصل الاتصال الاجتماعي فيما بعد، ولكن هذه اللغة تختفي تمامًا عند غير بني البشر ـ من الحيوانات و الحشرات المختلفة ـ ليحلّ محلها قدرات أخرى (خارقة) تساعد تلك الكائنات على التفاهم والتخاطب، وتختلف لغة التفاهم هذه باختلاف النوع والصنف والطائفة في الأجناس الواحدة، فالنمل العادي مثلاً يقوم أفراده بنقل انفعالاتهم إلى رفاقهم بواسطة تلامس قرون الاستشعار! بينما في عالم النحل نجد لغة أخرى لكنها أعقد وأدق في التفاهم بين الأفراد داخل الخلية وخارجها، فإذا اكتشفت النحلة أزهارًا متميّزة برائحتها وألوانها فإن لها طريقة أخرى للتخاطب ونقل الانفعالات غير النمل العادي، فهي ترشد بقية أفراد مملكتها عن طريق رقصات معينة تصدرها هذه النحلة يدرك مغزاها ومدلولاتها باقي النحل في الخلية لأنها مزوّدة بمقدرة هائلة على فك الشفرات الحركية وإدراك معانيها وأرقامها ووجهتها وما يتعلق بها، والتي يحتاج الإنسان إلى أن يفصح عنها بلغة الكلام في أسلوب هندسي أحيانًا كأن يقول لرفيقه ـ مثلاً: (طِر في خط مستقيم، بانحراف عشرين درجة على يسار الشمس، وبعد مائتي متر ستجد مساحة من أزهار البرتقال)!.

ومعلوم أن النحلة مهما ابتعدت عن خليتها فإن بإمكانها أن تعثر عليها مهما اشتدت الريح في هبوبها؛ ذلك أن النحل لا يرى الأشياء كما نراها نحن فهو لا تجذبه الأزهار الزاهية التي نراها، ولكنه يراها بالضوء فوق البنفسجي الذي يجعلها أكثر جمالاً في نظره، ولهذا فقد يعيش النحل في مناطق يكسوها السحاب معظم شهور السنة ولا يؤثر ذلك في عمله إطلاقًا.

أما أسلوب الاتصال بين أفراد البعوض فيختلف نوعًا ما، لقد أكّد العلماء الدارسون لحياة البعوض أن قرون الاستشعار المثبّتة على رأس كل بعوضة والمزوّدة بعدد هائل من الشعيرات الدقيقة الممتدة من رأس الذكر يمكنها التقاط الذبذبات الصوتية التي تحدثها الأنثى من مسافات بعيدة، لتفوق في ذلك أدق الأجهزة اللاسلكية التي اخترعها الإنسان على مدار تجاربه البشرية، والعجيب أن هذه الشعيرات لا تلتقط سوى إشارات أنثى البعوض فقط على الرغم من وجود أصوات عديدة أخرى في الجو تختلط فيها أصوات البشر بأصوات الطيور ومكبرات الصوت وغيرها! علمًا بأن الخالق ـ جل وعلا ـ قد زوَّد قَرْنَي الاستشعار اللذين تمتلكهما البعوضة بمقدرة هائلة، ويكفي أن نعلم أن ذلك الطنين الذي نسمعه وتصدره البعوضة يحدث نتيجة ما يقارب ثلاثمائة ذبذبة في الثانية عن طريق اهتزاز قرني الاستشعار!!

أما الفراشة فمهما حملتها الريح فإنها لا تلبث أن ترسل إشارة خفية يستجيب لها باقي الأفراد على مسافة بعيدة، وتصل الرسالة مهما أحدثت من روائح في سبيل تضليلها.

وكما تختلف طريقة التفاهم والتخاطب عند هذه الكائنات تختلف مواقع السمع والإحساس فيها كذلك، تبعًا لأنواعها وطوائفها، فقد توجد في أماكن غريبة من الجسم كأن تكون في رِجْلِ الحشرة أو في منطقة البطن منها، وهكذا فالجندبة الأمريكية (katy did) تحك ساقيها أو جناحيها معًا فيسمع صريرها الحاد في الليلة الساكنة على مسافة نصف ميل، وذلك عن طريق هزّها لكمية هائلة من الهواء من أجل إخراج ذلك الصوت القوي!

من جهة أخرى تستخدم بعض الحشرات التي تنشط ليلاً وسائل أخرى عن طريق إشارات ضوئية ذات تردد معين ـ كما هو الحال في بعض الحشرات المضيئة ـ وهذه الإشارات ذات دلالة يفهمها أفراد النوع نفسه.

إن الإنسان ليصاب بالعجز تمامًا عن الإبصار إذا ما حلّ الظلام الدامس، ولكنه لو كان على ظهر حصانه العجوز فإنه بإمكانه أن يصل إلى منزله بسلام مهما اشتدت ظلمة الليل؛ لأن ذلك الحصان يتمكن من الرؤية في ذلك الليل البهيم عن طريق ملاحظة اختلاف درجة الحرارة في الطريق وعلى جانبيه بعينين تأثرتا قليلاً بالأشعة الحمراء في الطريق، وكذلك البومة التي تستطيع أن تبصر الفأر الدافئ وهو يجري على الشعب البارد مهما تكن ظلمة الليل.

أما الخفاش فهو جندي الظلام الذي ينشط في الليل وينام في النهار ولا يسكن إلا الكهوف والأقبية المظلمة؛ إذ إنه ضعيف البصر، وسريع الطيران، ومع ذلك لا يصطدم بأي عائق أمامه، سواءً أكان جدارًا أو عمودًا أو غيره، ونتيجة للتجارب والملاحظات فقد وجد أن هذا الحيوان يُصدر أصواتًا على شكل نبضاتٍ ذات ذبذبات عالية تقارب مائة ألف ذبذبة في الثانية! وهذه الأصوات فوق مستوى سمع الإنسان.

وهذه النبضات الصوتية ـ التي يرسلها الوطواط (الخفاش) ـ إذا اصطدمت بشيء عاد رجعها إلى سمعه فأدرك أن أمامه ما يصطدم به مع الشعور بمقدار سطحه، فينعطف عنه بسرعة ولا يصطدم به.

لا شك بعد كل هذا أن مثل تلك السلوكيات الفذة ليست عمياء تحركها العشوائية والعبث؛ لأن من أخص خصائصها الدقة والتوقيت والانضباط، على الرغم من تتابعها في الصنف ذاته، وفي النوع من الجنس المشترك على مدار الحياة.

إن قدرة الله العليم الحكيم تتجلّى بوضوح من خلال النظر في هذه السلوكيات (الغريزية) ولا تزال ـ حتى الآن ـ تقدّم لها الفرضيات العلمية المبنية على المشاهدة والتجربة في سبيل العثور على تفسير علمي دقيق يحكم هذه الغرائز التي أودعها الخالق ـ جلت قدرته ـ في هذه الكائنات وتتوارثها جيلاً بعد جيل!

وهذا ما يدعونا حقٌّا إلى التأمل في آثار قدرة الله العظيم من حولنا، عبر النظر في مخلوقاته وآياته المسطورة في صفحات هذا الكون الفسيح، وعندها ندرك الحكمة من أمر الله ـ تعالى ـ لعباده بمتابعة النظر، والتفكر في مخلوقاته وآياته، وأخذ العبرة من ذلك، قال ـ سبحانه وتعالى: (إِنَّ فِى خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلافِ الَّيْلِ وَالنَّهَارِ لآيَاتٍ لأُوْلِى الأَلْبَابِ * الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِى خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلاً سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ)(5).

ولهذا تجد كثيرًا من العلماء الماديين المتخصصين في دراسة علوم الحياة والطبيعة يصرّحون بإيمانهم العميق بالله العظيم بعد أن يروا آثار رحمته وعلمه وقدرته ماثلة أمامهم.

يقول (ميريت ستانلي كونجدن) - وهو عالم طبيعة حاصل على الدكتوراه من جامعة بورتون: (إن جميع ما في الكون يشهد على وجود الله - سبحانه وتعالى - ويدلّ على قدرته وعظمته، وعندما نقوم نحن العلماء بتحليل ظواهر هذا الكون ودراستها، حتى باستخدام الطريقة (الاستدلالية)، فإننا لا نفعل أكثر من ملاحظة آثار أيادي الله وعظمته، ذلك هو الله الذي لا نستطيع أن نصل إليه بالوسائل العلمية المادية وحدها، وليست العلوم إلا دراسة خلق الله وآثار قدرته)، وصدق الله القائل: (سَنُرِيهِمْ ءَايَاتِنَا فِى الآفَاقِ وَفِى أَنفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَىْءٍ شَهِيدٌ).

1 ـ صحيح البخاري، كتاب الدعوات/ باب التعوذ من عذاب القبر.

2 ـ صحيح البخاري، كتاب فضائل القرآن.

3 ـ رواه مسلم وغيره عن أبي هريرة ـ رضي الله عنه.

4 ـ الميكرون جزء من ألف من الملليمتر.

5- سورة آل عمران (190-191).

الإعجاز العلمي في حديث التمر

الاثنين، 14 نوفمبر 2016 | 0 التعليقات






نوع من أنواع التمور الشائعة




د. معز الإسلام عزت فارس
أستاذ مساعد، قسم التغذية السريرية، كلية العلوم الطبية التطبيقية، جامعة حائل، المملكة العربية السعودية



عَنْ عَائِشَةَ -رضي الله عنها- قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ- صلى الله عليه وسلم َ- :"يَا عَائِشَةُ بَيْتٌ لَا تَمْرَ فِيهِ جِيَاعٌ أَهْلُهُ، يَا عَائِشَةُ بَيْتٌ لَا تَمْرَ فِيهِ جِيَاعٌ أَهْلُهُ أَوْ جَاعَ أَهْلُهُ.قَالَهَا مَرَّتَيْنِ أَوْ ثَلَاثًا." صحيح مسلم، كِتَاب الْأَشْرِبَةِ، بَاب فِي ادِّخَارِ التَّمْرِ وَنَحْوِهِ مِنَ الْأَقْوَات،رقم الحديث: 3819.في هذا الحديث الصحيح سندأ الموثوق متناً إشارة بينة ودلالة ظاهرة على العلاقة المتلازمة بين تناول التمر، وهو ثمر النخيلPhoenix dactylifera . (الشكل 1) المعروف بطعمه وحلاوته، وحصول الشبع الذي هو نقيض الجوع وخلافه. وقد أفاض علماء الحديث وشراحه في تفسير هذا الحديث وتبيان مراميه وتوضيح معانيه.وعلى الرغم مما قيل في معنى الحديث وما اختلف حوله في خصوصه أو عمومه، إلا أنه يحوي إشارة واضحة إلى تلك العلاقة المباشرة بين تناول التمر وحصول الشبع.
وفي الحديث من أساليب البيان النبوي ما يؤكد على المعنى المراد، ففي استخدم لفظ "بيت" مجاز مرسل محله المكان، حيث عبر الحديث عن أهل البيت الذين هم من يتناول التمر ويأكله بالمكان الذي يقطنه أهل هذا البيت.

وفي الحديث إثبات للجوع لمن لا يتناول التمر، وفي وصفهم بالجوع "جياع أهله" دلالة صريحة على تحقق الجوع عند غياب هذا الطعام. مع أن هذا الحديث يعد من الأحاديث المختلف عليها من حيث المقصود والمراد به؛ إذ إن الكثيرين لا يتناولون التمر ولا يشعرون بالجوع، بل هم متخمون من فرط الشبع، الأمر الذي يفتح الباب لمعنى آخر غير المعنى الظاهر. فالمعنى الذي يتساوق ويتفق مع الحقيقة العلمية لفسيولوجيا الجوع والشبع هي نفي الجوع عمن يتناول التمر وليس إثبات الجوع لمن لا يتناوله. فالأخذ بظاهر الحديث، وهو تحقيق الجوع لمن لا يتناول التمر، لا يتساوق مع الحقيقة العلمية والمشاهدة الواقعية من أن الكثيرين لا يشعرون بالجوع على الرغم من عدم تناولهم للتمر، بل إن منطوق الحديث يحمل المعنى المخالف وهو نفي للجوع عن أهل البيت الذين يتناولون التمر. ولعل ظاهر الحديث يتساوق مع واقع المسلمين والناس آنذاك في عصر النبوة حيث كان التمر القوت الرئيس والغذاء الأساس لدى الناس وكان اعتمادهم عليه كغذاء أساسي كفيل بدرء خطر الجوع عنهم، وخاصة في جزيرة العرب حيث محدودية أنواع الطعام والشراب مقارنة مع غيرها من البلاد.
فسيولوجيا الجوع وعلاقتها بسكر التمر:
وبالنظر إلى فيسيولوجيا الجوع والشبع، وكذا النظر في مكونات التمر ومحتوياته، أمكن لنا أن نقف على أسرار الهدي النبوي في هذا الحديث الشريف وما انبنى عليه من حكم وآيات. ففسيولوجيا الجوع والشبع تستند إلى قدرة الجسم على تحسس الحاجة إلى تناول الطعام والشراب، وكذا تحسس الاكتفاء منه. وتعتمد آلية الجوع والشبع على التكامل والتنسيق بين ثلاثة أنواع من الوظائف الحيوية والفسيولوجية الجسمية وهي: الجهاز العصبي والجهاز الغدي الهرموني، والتحسس الموضعي للطعام والشراب في الجهاز الهضمي. إذ يحوي الدماغ، وتحديداً الغدة المسماة "تحت المهاد"، على مِجسات قادرة على تحسس وقياس مستوى سكر الدم "الجلوكوز" في الجسم، كما يتحسس الدماغ الجوع من خلال سيالات عصبية تصل إليه.
ولعل العنصر الأهم في تحديد الشعور بالجوع هو سكر الدم "الجلوكوز". ويمثل سكر الجلوكوز عِملة الطاقة في الجسم وهو الشكل الوحيد من الكربوهيدرات القابل للتصريف داخل خلايا الجسم وأنسجته. ويحصل الجسم على سكر الجلوكوز من خلال طريقين اثنين:
الأول: الطعام والشراب، ويمثل سكر الجلوكوز المصب الذي تنتهي إليه جميع اشكال الكربوهيدرات الغذائية المتناولة. إذ يقوم الجسم بتحويل ما يأخذه من النشا الغذائي المعقد بعد عمليات الهضم والامتصاص إلى سكر الجلوكوز، ويقوم بتحويل غيره من السكريات الأحادية والثنائية إلى سكر الجلوكوز بطريقة أيسر وأسهل. فتكون محصلة تناول أي نوع من الكربوهيدرات هو إنتاج سكر الجلوكوز وتخزينه في الجسم. وتتمثل أشكال سكر الجلوكوز الموجودة في الجسم إما على شكل السكر الحر في الدم، أو على شكل النشا الحيواني "الجلايكوجين" الذي يقوم الجسم بتخزينه في الكبد والعضلات باستخدام الفائض من جلوكوز الدم. وفي حال امتلاء مخازن الجلايكوجين، يقوم الجسم بتحويل الفائض من السكر في الدم إلى مركبات دهنية ويقوم بتخزينها في الأنسجة الدهنية، ويتم ذلك بواسطة مركب الأسيتيل كوأي Acetyl Co-A الوسيط.
الثاني: عمليات تصنيع سكر الدم "الجلوكوز" من غير مصادره السكرية، مثل مركب الجليسيرول المشتق من المركبات الدهنية ثلاثية الجليسيريدTriglycerides، ومركب اللاكتيت Lactate النتائج عن تخمر سكر الجلوكوز في العضلات، وبعض مركبات الأحماض الأمينية المشتقة من بروتينات العضلات والتي تعرف بـGlucogenic amino acids، أي أن الجسم بمقدروه إنتاج هذا السكر من المصادر الثلاثة للطاقة وهي البروتينات والكربوهيدرات والدهون. ويتم إنتاج سكر الجلوكوز من هذه المركبات غير السكرية عبر عملية حيوية معقدة تعرف بالانجليزية بـGluconeogenesis وتعني "تصنيع سكر الجلوكوز من مصار غير سكرية".
لقد خلق الله -عزوجل- الإنسان وجعل له في جسمه مصادر للطاقة يستعملها خلال حياته ليتزود منها بالطاقة الحيوية الضرورية للقيام بالوظائف الفسيولوجية المختلفة. وتتنوع مصادر الطاقة في جسم الإنسان على النحو التالي (بناء على وزن جسم الإنسان البالغ 70 كغم): سكر الدم Blood glucose (20 غم)، والنشا المعقد (الجلايكوجين) Glycogen والمتمركز في الكبد والعضلات (225 غم)، والأحماض الدهنية Fatty acids المتواجدة في الأنسجة الدهنية (النسيج الدهني الأبيضWhite Adipose Tissue)(15 كغم)، والجزء البروتيني من العضلاتMuscle proteins(6 كغم)، وأخيراً الأحماض الدهنية الحرة والجليسيريدات الثلاثيةPlasma free fatty acids and plasma triglycerides في الدم (3.3 غم).
ويتنوع استخدام الجسم لمصادر الطاقة تلك، وينتقل بين استخدام هذه المصادر حسب الحاجة الفسيولوجية التي تقتضيها طبيعة النشاط والجهد البدني المبذول وحسب درجة الجوع والإطعام للجسم. وقد قسم العلماء مراحل استخدام الطاقة (أي توليدها واستعمالها) في الجسم إلى ثلاث مراحل تعتمد على درجة ومستوى الجوع والإطعام، وأطلقوا عليها مجتمعة اسم دورة الجوع والإطعام Starve- Fed Cycle.
ويعد هرمون الإنسولين الذي تفرزه خلايا بيتا في جزر لانجرهانز في البنكرياس العامل الحيوي المباشر المسؤول عن مجمل عمليات الأيض والتمثيل للسكر في الجسم. حيث يقوم هذا السكر بتنظيم مستوى سكر الدم ضمن حدوده الطبيعية 60-110 ملغم/ديسيلتر، وذلك من خلال آليتين اثنتين هما: الأولى، المساهمة في إدخال سكر الجلكوز من الدم إلى الخلايا، كيما تقوم الأخيرة بالاستفادة منه في عمليات التنفس الخلوي اللازمة إنتاج الطاقة التي تستخدمها الخلايا في القيام بالعمليات الحيوية المختلفة. الثانية، عملية تحويل الفائض من سكر الدم إلى النشا الحيواني المعروف بالجلايكوجين، وتخزينه في مستودعاته في الكبد والعضلات.
وتتمحور عمليات إنتاج وتوليد الطاقة في الجسم حول مدى قدرة الجسم على المحافظة على مستوى سكر الجلوكوز ضم حدوده ومستوياته الطبيعية في الجسم، وتتم لأجل ذلك العديد من التفاعلات الحيوية التي تنشد تحقيق ذلك الهدف.ففي حالة الصيام أو الجوع، وعندما يحرم الجسم من تناول مصادر الطاقة، يقوم الجسم بتغيير مسارات الايض وإنتاج الطاقة ويلجأ إلى وسائل جديدة تضمن المحافظة على تزويد الجسم بالطاقة وتحديداً الجلوكوز، وتدرء عنه خطر انخفاض مستواه في الدم.
فمن خلال استعراض العمليات الحيوية الأيضية في الجسم، نجدها ترتكز كلها على حقيقة واحدة وهي ضرورة توفير سكر الدم "الجلوكوز" والمحافظة على مستوياته الطبيعية في الدم ودرء انخفاضه عن حدوده الدنيا وعمل ما أمكن من تحليل للبروتينات والدهون في الجسم وتوظيفها في إنتاج الجلوكوز والبحث عن بدائل للطاقة لتوفير جلوكوز الدم؛ كلها تدل دلالة بينة على أهمية هذا السكر ودوره المحوري في صحة الجسم وحيويته.
إن هذا الفهم لدور سكر الجلوكوز في الجسم وأهميته الحيوية يساعدنا في فهم مغزى الحديث الشريف ومرماه (بيت لا تمر فيه جياع أهله). فالتمر يعد غذاءاً مركزاً بالسكريات البسيطة وأهمها الفركتوز، والذي يتحول سريعاً إلى سكر الدم الجلوكوز حالما تم هضمه وامتصاصه. وبالنظر إلى التحليل الكيماوي والتركيب الغذائي لللتمر (جدول 1) تبين لنا دور هذا النبات الحلو الطعم الطيب المذاق في درء حالة الجوع وعوز السكر، حيث تمثل الكربوهيدرات الكلية حوالي 75% من وزن التمر، فإن السكريات البسيطة غير المعقدة وسريعة الهضم والامتصاص تمثل قرابة 66% منها، ويمثل سكر الجلوكوز أكثر من نصف تلك السكريات (34%) في حين يمثل سكر الفركتوز البسيط الجزء الآخر (32%) وهو سرعان ما يتحول إلى سكر الجلوكوز في الجسم.
وعند النظر إلى مؤشر منسوب سكر الدم للتمر، أو ما يعرف بـ (Glycemic Index GI)، وهو مؤشر يظهر مدى قدرة المادة الغذائية على رفع مستوى سكر الدم بعد ساعتين من تناولها، ويستخدم من قبل مرضى داء السكر لمساعدتهم في اختيار الأطعمة المناسبة لهم؛ يتبين لنا بشكل أوضح قدرة التمر على رفع مستوى سكر الدم بشكل سريع، وهو ما ينبني عليه حماية الجسم من أضرار انخفاض سكر الدم لدى الأشخاص الطبيعيين. وتشير جداول منسوب السكر إلى أن التمر هو الغذاء الأكثر قدرة على رفع سكر الدم على الإطلاق من بين جميع أنواع الفواكه والأطعمة الحلوة الطبيعية غير المصنعة، وبقيمة 147 (جدول رقم 2). وفي هذا دلالة وأي دلالة على قدرة التمر على رفع مستوى سكر الدم ومن ثم التخلص من كافة الأعراض السلبية الناجمة عن انخفاضه والمرافقة لحالة الجوع والعوز، والتي ذكرت آنفاً.
كما تجدر الإشارة إلى أنه يحتمل وجود مركبات أو عناصر أخرى في التمر-عدا السكر- تسهم في التأثير على عملية الجوع والحد من مسارات الأيض الخاصة بها، إذ يعد التمر مصدراً غنياً جداً بالبوتاسيوم، إضافة إلى احتوائه كميات جيدة من الفيتامينات الذائبة في الماء وخاصة النياسين (ب3) (جدول 1).

وما زال العلم الحديث يكشف عن دور وخصائص المركبات النباتية العضوية Phytochemicals وعن أدوارها ووظائفها الفسيولوجية والحيوية المختلفة، والتي قد تكون ذات تأثير وفعل في عملية الجوع، وعلى مسارات الأيض وانتاج الطاقة في الجسم، وهو ما يحتاج إلى البحث العلمي لتأكيده والتحقق منه.
وختاماً فإن الربط المباشر الوارد في الحديث الشريف بين تناول التمر وحصول الشبع، وهو نقيض الجوع وخلافه، يمثل دلالة علمية واضحة وإشارة بيِّنة على سبق نبوي معجز في تقرير حقيقة علمية مفادها: أن التمر وما يحويه من مكونات ممثلة بالسكر يمثل غذاء موائماً لدرء خطر الجوع وما ينبني عليه من نقص لسكر الدم، وما يتبعه من تغيرات سلبية ضارة على صحة الجسم، وهو إن دل فإنما يدل على حكمة العليم الخبير الذي علم نبيه -صلى الله عليه وسلم- وأطلعه على سر من أسرار هذا الكون وما فيه من مخلوقات وآيات أبدعها الله -عز وجل- وأخبرها لنبيه -صلى الله عليه وسلم- تأييداً لدينه وتثبيتاً لأتباعه وتأكيداً على صدق نبوته وثبوت رسالته وسروخ مبدئه، وأنه مرسل من عند الله اللطيف الخبير ﴿أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ﴾ [الملك: ١٤] ﴿وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَىٰ.إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَىٰ﴾ [النجم: 3-4 ].





التحول في مسارات الأيض وإنتاج الطاقة عند غياب الكربوهيدرات وعدم حصول الجسم عليها، وهي المزود الرئيس للجسم بسكر الجلوكوز.




جدول رقم (1): التحليل الكيماوي والمحتوى الغذائي لتمر المدجول (لكل 100 غم مأكول).








جدول رقم(2): مؤشر سكر الدم لمجموعة من الأطعمة الطبيعية والمصنعة.


المراجع: 
1.قاموس القرآن الكريم. معجم الحيوان. مؤسسة الكويت للتقدم العلمي. الطبعة الأولى، الكويت، 1999.
2. صحيح مسلم، صحيح مسلم، كِتَاب الْأَشْرِبَةِ، بَاب فِي ادِّخَارِ التَّمْرِ وَنَحْوِهِ مِنَ الْأَقْوَات. موقع الدرر السنية
الإلكتروني،
2. Guyton and Hall, Textbook of Medical Physiology, 10th, 2000.
3. Lecture Notes of "Energy in Nutrition", Dr Mousa A. Noman.
4. Brody, T. 1999.Nutritional Biochemistry, 1999, Academic Press.
5. Vander, A., Sherman, J., and Luciano, D. Human Physiology, 8th ed., 2001, McGraw Hill.
6. Foster-Powell, K., Holt, S.H.A. and Brand-Miller, J.C. 2002.International table of glycemic index and glycemic load values: 2002. American Journal of Clinical Nutrition; 76:5–56.
7. The Food Processor SQL, ESHA Research, 10.7.0, 2010.

علو البناء في مكة على رؤس الجبال من علامات قرب قيام الساعة

الجمعة، 1 مايو 2015 | 0 التعليقات

علو البناء في مكة على رؤس الجبال من علامات قرب قيام الساعة


النبي صلى الله عليه وسلم يتنبأ بعلو البناء في مكة في آخر الزمان وانه سوف يعلوا على الجبال أرتفاعا
فقد روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم :( فإذا رأيت مكة قد بعجت كظائم ورأيت البناء يعلو رؤوس الجبال فاعلم أن الأمر قد أظلك ) قد أظلك : أي اقتربت الساعة
تخريج الحديث :
أخرجه ابن أبي شيبة في المصنف (14306) بإسناد لا بأس به
وقال الشيخ حمود التويجري رحمه الله في إتحاف الجماعة:
ما جاء في عمارة مكة والخروج منها
عن جابر رضي الله عنه: أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أخبره: أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول: « سيخرج أهل مكة منها ثم لا يعمرونها (أو: لا تعمر إلا قليلًا)، ثم تعمر وتمتلئ وتبنى، ثم يخرجون منها فلا يعودون إليها أبدًا » .
رواه: الإمام أحمد، وأبو يعلى . قال الهيثمي : "وفيه ابن لهيعة، وحديثه حسن، وبقية رجاله رجال الصحيح". وعن يوسف بن ماهك؛ قال: "كنت جالسًا مع عبد الله بن عمرو بنالعاص رضي الله عنهما في ناحية المسجد الحرام؛ إذ نظر إلى بيت مشرف على أبي قبيس، فقال: أبيت ذاك ؟ فقلت: نعم. فقال: إذا رأيت بيوتها (يعني: مكة) قد علت أخشبيها، وفجرت بطونها أنهارًا؛ فقد أزف الأمر".
رواه أبو الوليد الأزرقي في "أخبار مكة"، وفي إسناده مسلم بن خالد الزنجي : وثقه ابن معين، وضعفه أبو داود، وقال ابن عدي : "حسن الحديث"، وقال أبو حاتم : "إمام في الفقه؛ تعرف وتنكر، ليس بذاك القوي، يكتب حديثه ولا يحتج به"، وقال النسائي : "ليس بالقوي". وبقية رجاله رجال الصحيح.
ويشهد لهذا الأثر ما رواه ابن أبي شيبة في "مصنفه" عن يعلى بن عطاء عن أبيه؛ قال: "كنت آخذًا بلجام دابة عبد الله بن عمرو، فقال: إذا رأيت مكة قد بعجت كظائم، ورأيت البناء يعلو رؤوس الجبال؛ فاعلم أن الأمر قد أظلك".
وقد ظهر مصداق هذا الأثر والحديث قبله في زماننا، فعمرت مكة، وبنيت، واتسعت اتساعًا عظيمًا، وامتلأت بالسكان، وعلت بيوتها على أخشبيها، وأجريت مياه العيون في جميع نواحيها؛ فعلم من هذا أن الأمر قد أزف؛ أي: دنا قيام الساعة وقرب.
وقوله: "بعجت كظائم"؛ أي: حفرت قنوات. ذكره ابن الأثير وابن منظور وغيرهما من أهل اللغة.

انظُرُواْ إِلِى ثَمَرِهِ إِذَا أَثْمَرَ وَيَنْعِهِ : نظرة إيمانية

| 0 التعليقات

انظُرُواْ إِلِى ثَمَرِهِ إِذَا أَثْمَرَ وَيَنْعِهِ : نظرة إيمانية


بذرة ثمرة جافة
                في  جولة علمية في أحد الأسواق المركزية لبيع الخضراوات والثمار، نجد العجب العجاب في الأجناس والأنواع والأصناف والأشكال والأحجام والطعوم حيث الأخضر والأصفر والبرتقالي والأحمر والبني والمخطط والصغير والكبير والأملس والخشن ورقيق الجدار وصلب الجدار، إنه عالم عجيب ومعجز من الثمار , والأجمل من رؤيتها في السوق أن ترى تلك الثمار على أشجارها متدلية جميلة معجزة، لذلك أمرنا الله تعالى بتدبر تلك الثمار والنظر إليها نظرة إيمانية علمية فاحصة مدققة متدبرة، نظرة بعيدة عن النظرة الحيوانية المادية لتلك الثمار النباتية قال تعالى: " وَمِنَ النَّخْلِ مِن طَلْعِهَا قِنْوَانٌ دَانِيَةٌ وَجَنَّاتٍ مِّنْ أَعْنَابٍ وَالزَّيْتُونَ وَالرُّمَّانَ مُشْتَبِهاً وَغَيْرَ مُتَشَابِهٍ انظُرُواْ إِلِى ثَمَرِهِ إِذَا أَثْمَرَ وَيَنْعِهِ إِنَّ فِي ذَلِكُمْ لآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ{99}" (الأنعام/99).
   الثمر كما قال الراغب الأصفهاني في مفردات ألفاظ القرآن: اسم لكل ما يتطعم من أحمال الشجر، الواحدة ثمرة والجمع: ثمار وثمرات، كقوله تعالى: " وَأَنزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقاً لَّكُمْ" (البقرة/22)، وقوله تعالى: "وَمِن ثَمَرَاتِ النَّخِيلِ وَالأَعْنَابِ" (النحل/67)، وقوله: " انظُرُواْ إِلِى ثَمَرِهِ إِذَا أَثْمَرَ " (الأنعام/ 99)، وقوله تعالى " وَمِن كُلِّ الثَّمَرَاتِ " الرعد (3) . وقال: والثمر قيل: هو الثمار، وقيل: هو جمعه ويكنى عنه بالمال المستفاد، انتهى.
   والثمرة في علم النبات: هي التركيب الناتج عن نمو الكيس الجنيني في الزهرة وتضخم المبيض بعد عملية الإخصاب، وقد يشترك التخت في تكوين الثمر كما في نبات التفاح Pyrus malas (النبات العام، أحمد مجاهد وآخرون، ص 627).
   والمعلوم أن الزهرة عادة تتكون من المحيطات غير الأساسية التي لا تشترك اشتراكا مباشرا في عمليتي التلقيح والإخصاب مثل الكأس والتويج , والمحيطات الأساسية التي تشترك في عملية التلقيح والإخصاب وهما أعضاء التذكير وما تنتجه من حبوب لقاح وأعضاء التأنيث وما تحتوي عليه من بويضات مؤنثة. ويتكون عضو التأنيث في الزهرة من المبيض (Ovary) بداخله البويضات المؤنثة والقلم (Style) والمتاع (Stigma).ويتكون عضو التذكير في الزهرة من الخيط والمتك (Anther).
    عندما تسقط حبوب اللقاح الناتجة من متك عضو التذكير على الميسم للنبات الموافق فإن حبة اللقاح تنبت وتعطي أنبوب لقاح يدخل إلى المبيض عبر القلم ويتم التخصيب للبويضات.
    بعد إتمام عملية الإخصاب يبدأ المبيض في تكوين البذور والحبوب والثمار التي تحمل داخلها الصفات الوراثية الخليطة للنبات والناتجة من الجزيئات الوراثية في حبوب اللقاح و المبيض.
   وبذلك تتكون الثمار التي قال الله تعالى فيها " انظُرُواْ إِلِى ثَمَرِهِ إِذَا أَثْمَرَ وَيَنْعِهِ" (الأنعام/ 99)، وبعد النمو للجنين الناتج من عملية الإخصاب واشتراك بعض أجزاء المبيض الأخرى تتكون الثمار الجميلة المتباينة الأشكال والألوان والأحجام والطعوم والروائح والتركيب.
   ووظيفة الثمرة المحافظة على البذور بداخلها ومدها بالغذاء حتى يكتمل نموها، ثم مساعدتها على الانتثار والانتشار، والثمرة عضو ثابت لذلك تستخدم الثمار في التمييز القطعي بين الأجناس والأنواع والأصناف، والفصائل النباتية في عملية التصنيف (النباتات الزهرية، شكري سعد، دار الفكر العربي، ص154).
ثمار نبات أبي المكارم المجنحة

بذور نباتية جافة
وقسم علماء النبات الثمار النباتية إلى عدة أقسام وأنواع فمنها:
   الثمار البسيطة (Simple Fruits): وهي الثمار الناتجة من نضج كربلة واحدة أو عدد من الكرابل الملتحمة مثل ثمار البسلة والطماطم (الكربلة هي عضو التأنيث المكون من أوراق متحورة لعمل عضو التأنيث).
   والثمار المركبة (Composite Fruits): وهي الثمار الناتجة من نضج عدد من الأزهار المتجمعة في نورة مثل ثمار نباتات التوت والفراولة والقشطة.
    وقسم العلماء الثمار البسيطة إلى نوعين هما الثمار البسيطة الجافة (Dry Fruits) والثمار البسيطة الغضة (Fleshy Fruits) .
   وتضم الثمار الجافة العديد من الثمار المنفتحة وغير المنفتحة منها:
   البندقة: (Nut): وهي ثمرة جافة تحتوي على بذرة واحدة، ولها غلاف خشبي ومنها ثمار البندق والبلوط وأبوفروة (الكاستناء).
   البرة (Caryopsis): وفيها يلتحم الجدار الثمري بقصرة البذرة مكونا جدارا واحدا كالقمح والشعير والذرة.
   الجناحية: (Samara): تتركب من كربلة واحدة يمتد غلافها الثمري على هيئة الأجنحة للطيران بها بعيدا عن الشجرة الأم سعيا للرزق والعيش الوفير ومثلها ثمار نبات أبي المكارم Machaerium tipo.
   القرنية (Legume): تتكون من كربة واحدة بها عدد من البذور تتفتح طوليا على امتداد خط الثمرة كما هو الحال في نباتي الفول والفاصوليا، وقد لا تنفتح الثمرة كما هو الحال في ثمار نبات التمر الهندي.
   العلبة (Capsule): تتكون من عدد من الكرابل الملتحمة تتفتح أما بالثقوب كما هو الحال في نبات الخشخاش، وإما تنفتح بالأسنان كالقرنفل.
   وهناك الثمار الغضة (Fleashy Fruits): وفيها يكون الغلاف الثمري أو جزء منه عصيريا شحميا ويتميز جدارها إلى ثلاثة أغلفة الخارجي والمتوسط والشحمي ومنها ثمار المشمش والرمان والقرع والخيار والبلح والعنب والطماطم والبرتقال والموز.
ثمار الطماطم متباينة الألوان والأحجام والأشكال
وتوجد الثمار المركبة(Composite Fruits): وهي تتكون من عدد من الثمار الناتجة عن عدد من الأزهار المتجمعة مثل التوت والأناناس والتين.
   وهناك الثمار الكاذبة (Psudocarps): وهي ثمار يدخل في تركيبها أجزاء أخرى غير المبيض كالتخت والكأس والقلم وهي تعطي أجمل الثمار كالتفاح والشليك (الفراولة) والتوت والتين.
   تحوي الثمار عددا وفيرا من البذور، وتحمل الشجرة الواحدة عددا كبيرا من الثمار وإذا سقطت هذه الثمار وما بها من بذور أسفل الشجرة الأم أو قريبا منها فإنها تتنافس على نفس النوع من الغذاء في التربة وتهلك، وبذلك يصبح التنافس شديدا بينها، ولكن الله سبحانه وتعالى الذي خلق هذه الثمرات وما بداخلها من بذور وأجنة لم يتركها هملا بل هيأ لها العديد من الآليات والوسائل للانتشار والانتثار في أرض الله الواسعة بحثا عن الرزق المقدر لها كما قال تعالى: " قال رَبُّنَا الَّذِي أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى " (طه/50) أي أعطى كل مخلوق هيئته المناسبة لحياته ثم هداه لما يصلح عليه هذه الحياة.
   ومن وسائل الانتثار والانتشار في الثمار: الرياح التي تحملها بأجنحتها إلى مكان بعيد وجعل لبعضها "براشوتات" متوازنة تحمل الثمرة لعشرات الكيلومترات كما هو الحال في نباتي أبي المكارم والجعضيض .وفي نبات كف مريم  Auastatica، وهو نبات صحراوي يحمل أفرعا تحمي الثمار، وفي الجو الجاف تنحني الأفرع نحو الداخل ويتكور النبات كالكرة، التي تحملها الرياح وتدحرجها إلى مسافات بعيدة وأثناء هذا التدحرج تتفتح الثمار وتنتشر منها البذور وتتوزع على طول الطريق ( النباتات الزهرية , شكري سعد, (مرجع سابق) (ص170) ).
   وبعض الثمار والبذور مغطاة بالألياف الزغبية المساعدة على حمل الثمار والبذور بعيدا كما هو الحال في بذور نبات القطن وثمار نبات الجعضيض.
   كما أن لبعض الثمار خطاطيف تتعلق بها في أوبار وأشعار وأصواف الحيوانات وملابس العمال كما هو الحال في نبات الشبيط Xanthiun والبرسيم الحجازي Medicago.
    وبعض الثمار لها جدار يقاوم العصارة المعدية والمعوية للحيوانات التي تتغذى عليها فتمر عبر القناة الهضمية للحيوان من دون موت الجنين وتسقط مع كتلة من فضلاته السمادية الطرية حيث تنبت وتعطي البادرة في المكان البعيد الذي أخرج فيه الحيوان هذه البذور والثمار مع فضلاته.
   ويقوم الإنسان بنقل الثمار والبذور عبر الحدود وبزرعها، ورعايتها ويستغل فوائدها لصالحه.
   وللثمار فوائد عديدة فهي غذاء بها المواد السكرية والدهنية والبروتينية والفيتامينات والأملاح والمعادن والهرمونات، وهي دواء للعديد من الأمراض لاحتوائها على الفيتامينات والمعادن والأملاح والألياف والدواء.
   ويصنع الإنسان غذاءه الأساسي من حبوب القمح والشعير والأرز والذرة والشوفان وبعض الدرنات والجذور والسيقان ومن دون تلك الثمار يموت الإنسان والحيوان والكائنات الحية الدقيقة وتهلك بالمجاعة.
   وينسج الإنسان ألياف بعض الثمار كالقطن ويصنع منها الملابس.
   ويستخدم أوعيتها الخارجية الصلبة في تخزين الغذاء وتخميره ويعجن فيها العجين.
   ومن الثمار يستخرج الإنسان السكريات والكحوليات والأحماض العضوية بالكائنات الحية الدقيقة وسبحان القائل: " وَمِنَ النَّخْلِ مِن طَلْعِهَا قِنْوَانٌ دَانِيَةٌ وَجَنَّاتٍ مِّنْ أَعْنَابٍ وَالزَّيْتُونَ وَالرُّمَّانَ مُشْتَبِهاً وَغَيْرَ مُتَشَابِهٍ انظُرُواْ إِلِى ثَمَرِهِ إِذَا أَثْمَرَ وَيَنْعِهِ إِنَّ فِي ذَلِكُمْ لآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ{99} " (الأنعام/99).

أ.د نظمي خليل أبوالعطا موسى
www.nazme.net